تتربع رواية على سلالم الكلية مع أنيسة عمرها، عشيرة حياتها، رفيقة دربها قصة، المعيدة بقسم اللغات الشرقية، والتي دائمًا تساعدها في الدراسة هي وزملاؤها جميعًا، فقصة وإن كانت معيدة بالجامعة إلا أنها هي وأنس لم يتأثرا بعدوى وباء الأساتذة التي تصيب الجامعات المصرية، على الدوام تعامل كالأخت الكبرى من قبل جميع طلبة الألسن باختلاف أقسامهم ولغاتهم، ففي صالون رفاعة الثقافي حاضرة، وفي معارض الفن والرسم متواجدة، وفي أي نشاط طلابي دومًا في المقدمة، وفي هذا الصباح يعدون ترجمة قانونية وأخرى اقتصادية، فاليوم هو الثلاثاء الكئيب بترجماته التي ما أنزل الله بها من سلطان، فمصطلحات وكلمات لا تُفهم، ولا تُنطق، ولا حتى تُكتب، ومن حين لحين تأتي ماريا فتسأل عن معنى كلمة، أو سياق جملة، وترمي رواية بسهم من عيونها الثاقبة، فتشعر الأخيرة بالخوف والاضطراب، ولكن ما يقلقها حقيقة أن ماريا لم تتحدث معها في أمرها حتى الآن منذ الأسبوعين الماضيين، منذ أن كشفت حقيقتها، فماذا يخبئ القدر لها ويخمر؟ وأي شيء يحجب الزمن عنها ويستر؟ فمن المعلوم للجميع أن ماريا من ينطبق عليها المثل المصري (ما يتبلش في بقها فولة)، وفي حين غرة ينتشلها من هواجسها جرس هاتفها، فتجيب على المتصل فيبادر بسؤالها:

  • آنسة رواية؟
  • نعم. من أنت؟
  • مع حضرتك جندي مقاتل يونان من مكتب متابعة العميد أركان حرب قائد وحدة الباشمهندس أنسيموس.
  • أهلًا بك، أهناك شيء خاص بأنسيموس؟
  • لقد وجدنا رقم هاتفك كأقرب الأقربين في وثيقة تعارف الأمن الحربي الخاصة بأنسيموس، ولهذا يؤسفني أن أبلغك بخبر محزن، محزن للغاية.

أحجم لسانه ثواني قليلة تجمدت رواية خلالها ثم تابع بصوت آسٍ ساهم:

  • فجر اليوم هجم على السرية جماعة إرهابية مسلحة.

معكِ الرب يا رواية، أنسيموس مات.

قالها جملة واحدة، دفعة واحدة، في نفس واحد، يا له من لسان جريء وقلب قوي، ولكن قلبها ليس كذلك إنه هلع هياب واهن ليس شجاع مثله ليتحمل مثل هذه الفاجعة، ويا لها من فجيعة رزيئة، فمع هذه الكلمات الداهية شعرت رواية بأن قلبها يتمزق إربًا وينتزع من جسدها، أحست بأن النيران قد التهمت شعر رأسها، وأصبحت ترى كل ما أمامها أسود، ولم تدرك شيئًا إلا وهي في غرفة مليئة بالأجهزة، ويتصل بجسمها عشرات الأسلاك والأنابيب الطبية، وعلى يمينها قصة تغفو على كرسي خشبي، فحاولت تذكر ما حدث وأدى بها إلى هنا، فيا لها من كارثة حقيقية وبلوى كبرى، أنيسها وحبيبها ورفيقها وعشيرها وخليلها قد تركها وحيدة، فمن علمها الحياة ومن أحن عليها ومن أشبعها حبًا وأغمرها صدقًا ومن عوضها عن الأب وأحل محل الأخ، رحل، كيف له أن يرحل؟! فلا طامة ولا مصيبة أكبر من هذه، ففي الطفولة افتقدت الأب والأبوة، وفي المراهقة خسرت الأخ والأخوة، واليوم في مجد شبابها وسناء فتائها حيث نوت أن تعمر ما بقى من مهجتها في عالم جديد اختارت معامله واصطفت جوانبه وانتخبت شخوصه، وبدين جديد قرأته، ودراسته، وحللته، وتعلمته، فتفقهت وتثقفت وتأدبت، فاقتنعت به وأحبته، ورضيت به كافيًا عن الكافة، ومع إنسي جديد، تصادفا وتعارفا، فتقابلا وتصادقا، فأحبها وأحبته، ولكن الآن ضاع هذا الحبيب وما صاحبه من حب، فياله من انهزام وانكسار لفتاة ما زالت لم تبلغ عامها الثالث والعشرين بعد، عاونها في البحث عن مرادها والتنقيب عن مقصدها صبورًا متحملًا، وبعد إصرار وإلحاح في مناقشات ومحاجات ومطارحات طالت، أوهامها الاقتناع بآرائها إرضاء لها لشدة حبه وتعلقه بها، ويوم بعد يوم أخذ يطلع على أبحاثها ويقلب في أوراقها ويفتش في كتبها ويستمع لمجادلاتها وبدأ بالتدرج في مناظرتها ونقاشها وسجالها، ومع مرور الأيام انجذب نحو فكرها، فسارا معًا نحو التقصي والمقارنة والموازنة وطرح الأسئلة هنا وهناك، وبعد عام ونصف العام من البحث الدؤوب والقراءة المستمرة، ذات ليلة قال لها:

  • أريد أن أفضي لك بسر.

فتوقعت كالعادة هذا السر إما كلمة بحبك، أو سيضيف عليها كمرات عديدة جملة اشتقت إليك يا حبيبتاه، فقالت ضاحكة:

  • قل يا مستودع الأسرار، أليس في مستودعك هذا سوى كلمة أو كلمتين؟

فأجاب متبسمًا:

  • بلى اليوم لديَّ الكثير والكثير.

فقالت بابتهاج ساخرة:

  • قل يا فتى فإني في حاجة للتجديد.

فقال بصوت وقور رصين:

  • لقد اقتنعت بأن الإسلام هو دين الحق.

فنالت كلماته منها، فلقد أباح بما تكنه في باطنها، وما تدعو به في جوف الليالي، أفاقت من الغوص في أعماق الذكريات حينما سمعت قصة تجهر بالبكاء، وشعرت بيدها تمسح على رأسها، وتختم قبلة على جبهتها، فنشفت قصة دموعها وقالت:

  • عافية معافاة بإذن الإله.

رواية بلهجة متكسرة مهتزة والدمع ينهل من جفنها مُتهتهة:

  • أرأيت ما الذي حدث لي يا قصتي؟

ثم نظرت برأسها لأعلى وأطالت معاتبة شاردة ساهية:

  • لماذا يا ربي تفعل معي كل هذا؟ لا أعرف أي رب أنادي، لا أعلم أي رب أدعو، هل المسيح حقًا هو ابن الرب والرب معًا فغضب عليَّ حينما تركت المسيحية وأحل لعناته وأورد هلاكه؟ أم الله الواحد الأحد هو الرب الحقيقي؟ فهل يختبرني ويمتحن صبري كما فعل بالصحابة وبالمؤمنين الأوائل؟

ثم رفعت يديها مناجية، وهي راقدة في فراشها، وجهرت قائلة:

  • يا إله الأكوان، رب العباد، ربي قلبًا وعقلًا، إن كنت تبتلى إيماني وتتقصى عن صبري، فأنا لست بخديجة ولا بعائشة ولا بأسماء، ولا حتى بالخنساء، أنا مجرد إحدى فتيات العصر الملعون، حيث ننام على سرير مفروش قطن وحرير، نشرب المياه المعدنية ونتجرع المرطبات ما لذا منها وطاب، نأكل الشوكولاتات بأشكالها وسيمائها الناعمة، نقضي نصف وقتنا لهوًا على الشبكة العنكبوتية، والنصف الآخر ننعم بالاسترخاء ونستلذ بالاستلقاء في حضرة أجهزة التكييف البارد منها والساخن، إنني أعرف وأعلم علم اليقين أنك الحق، وأن نبيك الحق، وما بعث به هو الدين الحق، فاللهم أرزقني الصبر في حاقتي وألهمني السلوان في ورطتي، أعذرني ربي قلبًا وعقلًا، لا أستوعب أنه فارقني، هجرني، تركني، اعتزلني! فإنها بلوى وما أعظمها من بلوى، إنني أشكوه لك ربي الحبيب، فأنت العالم بالغيوب وتعلم كل ما يدور، ألا تذكر يا ربي حينما وعدني عندما نطقنا بالشهادة معًا بأنه لن يتركني في طريق ولن نفترق في سبيل مهما كانت الصروف والخطوب، ألم يعاهدني بالزواج، ألم يقسم بالموت الواحد والمصير المشترك.

قاطعها صوت حزين ناءٍ يقول:

  • وحينها قلت له قل إن شاء الله، فقال لك إن شاء الله، ولكن لم يشأ الله يا رواية.

فنظرت قصة ورواية لمصدر الصوت فوجدتا أنس واقفًا بباب الغرفة، ويتجلى على ملامحه الأسى والحسرة والجزع، فنادت به رواية عاجلة:

  • الحمد لله الذي بعثك لي، أقبل عليَّ وجاورني يا رفيقي ورفيقه، فلا نعلم من المرتحل بعده.
  • إنه القدر، القدر يا رواية، فلا تخافي ولا تجزعي، فلكل أجل كتاب، ولكلٍ نهاية وحتف واحتضار، فالموت علينا حق وكلنا له أهل.

ثم تابع محاولًا ربط جأشه:

  • هيا بنا لتذهبي لمسكنك، فالوالدة أقلق من يكون الآن.

عندما وصل لمسمعها كلمة الوالدة وأدركت أمها، تخيلت كيف ستكون حالتها عندما تعرف النبأ، فمنذ وفاة زوجها والحزن يتراكم عليها تباعًا، فبعد مصرع الزوج أكمدها حال ابنها بأفعاله الخليعة وسلوكياته غير المستقيمة وتصرفاته الفاسقة، وعندما رحل الابن عن الدنيا ازدادت حزنًا وغمًا لفراقه، ولكن ما أن علمت كيفية الوفاة حتى أصبح الحزن توأم قلبها والدموع رفيقة عينها، رحل ضناها بأفعاله الوقتية ولكن ترك ما يخلد للأبد، ترك العار ويا له من عار! عثر عليه مقتولًا بداخل سيارة في إحدى الأزقة المهمشة، لم يكن بمفرده، وجدت معه جثمان فتاة عارية مجردة الملبس مجردة الخلق، وكانا في وضع مخل مذل مخزٍ، لا أحد يعلم من القاتل ولم يهتم أحد بهويته، وإنما ما شغل الناس جميعًا هو وضع القتل، فيا له من موقف عصيب، ويا لها من أيام لا تنسى، ظلتا في هذا الظلام الحالك حتى بعث الله لهم أنسيموس، ذاك الشاب الغني بكلية الهندسة الإلكترونية، والتي تخرج منها منذ شهور معدودة، فكان نعم الرسول، ثار على الظلمة الدامسة والشجن المتوارث ودعا لعالم النور واحتضان الحياة وتعمير الروح، فأصبح للأم الابن البار التقي، وللبنت الأب العطوف والأخ الرؤوف والصديق اللطيف والحبيب المثالي، أحسن معاملتها وأكرمها، أشعرها بأنوثتها وأبهجها، فارتاحت وانشرحت ومن ثم تدللت عليه، فرزقها الابتسامة والبشاشة في أشد النوائب والصروف، وأكسبها الضحكة في كل الأوقات والأحوال، تنفرج أساريرها كلما تذكرت مواقفهما معًا، حيث تحاول أن تقرأ اسمه، فنطقته بكل اللكنات، ولكن ليس من بينهم لكنة صحيحة لأنه اسم أجنبي غير متداول، فكان يأبى نطقه أمامها كثيرًا حتى يستمتع بلهجتها ولكنتها، فيضحك كثيرًا لبراءتها ولغمزاتها المتناغمة، وذات يوم سمعته يكرر اسمه على مستمع له، فوجدت حروفه جميلة متألقة ينبعث من بينها موسيقى عذبة شيقة، عاشت رواية ووالداتها أم إسحاق زمن مديد عصيب من وهل المفاجأة والمصيبة، سيطر فيها الاشتياق والحنين للراحلين، كانت إيمان في تلك الفترة ملازمة لرواية، حتى تُنسيها ألمها وجروحها، ولكن لم تتجرأ الأخيرة على البوح لها بأي من بنات أفكارها أو ما تكتمه في باطنها، وذات ليلة عادت إيمان من عملها مرحة، يظهر على وجهها آثار الفرح والسرور، الذي عادهم وخاصمهم طويلًا، دخلت على رواية غرفتها، فوجدتها كعادتها تتربع وحيدة ويخيم الحزن عليها، فدنت منها وبعد الأحضان والسلامات قالت:

  • اليوم طلبت إحدى الكنائس من مركزنا مترجمين، أحدهما للإنجليزية والآخر للتركية، لمرافقة وفد من الكنيسة لزيارة ماردين، ويا حبذا لو أن أحدهما، أو كلاهما من الديانة المسيحية.

فردت رواية بغير اكتراث:

  • وما شأني بهذا؟!
  • أنت تدرسين اللغة التركية وتتقنينها كتابة وتجدينها نطقًا، وهذه فرصة يجب اغتنامها للاستمتاع بهواء ماردين النقي، ولتغير نمط حياتك، لعلك تنسين الماضي بما مضى، كما أن العائد المادي لها جيد جدًا، وأنت في حاجة ماسة له.
  • ولكن أنا لم أسافر خارج مصر من قبل و …
  • لا تقلقي، سأنظم أنا كل هذه الأمور، زوجي يتقن الإنجليزية، ويعمل كمترجم فوري تابع لأحد أهم منظمات الترجمة في العالم العربي بالكويت، ولديه مهمة عمل في دبي سينهيها غدًا، ثم ينتظركم في ماردين، فأنا شاركته معك هذه المهمة.
  • لا أعلم كيف أشكرك يا صديقتي.
  • نحن أخوة وأصدقاء ويجب علينا مساعدة بعضنا البعض، والتعاون في مصائبنا وفي أفراحنا، بالإضافة إلى أن العائد المادي للمهمات التابعة للكنيسة غالبًا كبير ومغرٍ، وأنت في عوز لهذا المال، وفي احتياج للسفر لتجديد أفكارك، وتغير نمط حياتك الرتيب والكئيب.
  • ولكن أمي؟
  • لا تقلقي بشأنها فسوف نعيش سويًا، فهي أيضًا والدتي كما هي والدتك.
  • ومتى الرحيل؟
  • بعد ثلاثة أيام.

                                               ***

ليلة الرحيل، ذهبت رواية مع قصة للصومعة المتوارية كما كان يطلق عليها أنسيموس، حيث لا تصلها أقدام سوى من يقصدها، ولأول مرة تنطلق إليها بدون أنسيموسها، فكم راحوا وجاءوا معًا، فكان المثوى الذي يبحون فيه بأسرارهم ويفشون عن سراياتهم، يتعبدون فيه بكل جوارحهم، بعيدًا عن أعين الناس المترقبة، عندما وصلت، وجدت جميع الرفاق حاضرين متأهبين، أوسطهم أنس، فهو الذي أسلم الجميع بفضله، وهو صاحب الدعوة إلى الله، فما ترك مسيحيًا إلا وأهداه كتاب عن الإسلام، وناقشه بالحكمة والموعظة الحسنة، فكان يعي جيدًا كيف يقنع كل إنسان طبقًا لنمط تفكيره، وكيف يقرأ لغة الأجساد وسر الأبدانأأ أ، عندما خطت قدمها المكان، شعرت بالمأساة والحزن الذي خيم على الوجوه، فاستأذنتها قصة أن تظل بالخارج كعادتها فهي ما زالت على المسيحية، ولكنها لا تجد معضلة في صداقتها لرواية التي اختارت الإسلام واصطفته بكامل حريتها، انضمت لهم رواية وجلست بجانبهم، فتقدموا بالتعازي وعبارات المواساة، وظلوا يتحاكون في أمورهم، حتى تعالت الأصوات مطالبة بضرورة وحتمية إشهار إسلامهم حتى يتمكنوا من ممارسة الشعائر بكل حرية، ولكن خرج من بينهم صوت معبر عن قلقه من رد فعل أهاليهم والكنيسة التي ستحارب ضدهم بكل غالٍ ونفيس، فشعر أنس بهم وبالنار التي تشتعل بين ضلوعهم، فطمأنهم بأنه اتخذ أولى الخطوات ليتكمنوا من إعلان إسلامهم، وحينما تعود رواية من رحلتها، سوف يكون كل شيء مكتمل بمشيئة الله، وفي ختام جلستهم، قامت رواية من مجلسها، وقالت فيهم بلهجة تميل للخطابية:

  • تالله، ربي وربكم، رب العباد الواحد الأحد، ما أحد أجبرني على هذا الدين، ولا أحد أرغمكم، إنما اتبعناه لأنه دين الحق، فوجدنا فيه نفوسنا الضائعة، وأجوبة لأسئلة حائرة، وما نعمنا بلذة الحياة ولا رغدنا براحة القلب ولا هنئنا بسكون النفس ولا وعينا سكينة العقل إلا بنطق الشهادة التوحيدية، وما شعرت بالطمأنينة والارتياح إلا وأنا ساجدة بين يداه، فقولتها من قبل وسأقولها دائمًا، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، فو الله الذي لا إله إلا هو، لن نرتد عن هذا الدين ولن ننثني عليه ولو قطعوا أجسادنا إربًا إربًا، ولن نعيش إلا كيوسف ومريم في طهارتهما، باتباع سيرة المصطفى حبيبنا.

بمجرد انتهائها ردد الجميع في صوت جهور:

  • أشهد أن لا إله إلا الله وأن سيدنا محمدًا رسول الله.

رحلت رواية عنهم، بعد أن أودعتهم جميعًا، لتعد العدة لسفرها، ومعها أنس وقصة، سار ثلاثتهم في صمت تام، شاردين الذهن، فكل منهم غارق في عالمه الخاص، رواية قلبها مرتاع مرتعب، لا تعلم ماذا يخبئ القدر لها، ولذا كانت قلقة متوترة، ولكن تطمئن نفسها لابتعادها لأول مرة عن والداتها ووطنها، قطع صمتهم وشرودهم الوصول للموطن حيث تسكن رواية، فبكت بغزارة وهي تحتضن قصة التي ذرفت دموعها هي الأخرى، وتعانقتا طويلا، أم العيون فكانت أكثر تعبيرًا عما في داخل أنس، فاكتفيا بالنظرات، وودعها قائلًا:

– لا إله إلا الله.

– سيدنا محمد رسول الله.

وأدارت ظهرها متجهة نحو مسكنها.

أما قصة وأنس فاستأنفوا مسيرتهم، يسير أنس وعلى يمينه قصة التي تجفف عيونها من قطرات الوداع، وفي باطن كل منهما شيء، فكلاهما يرى أنه حان وقت التحاور، ففي أعماقهم تختزن العديد من الأسئلة والاستفسارات، فكل منهم يرغب في معرفة الجوانب الخفية عند الآخر، فبالرغم من صداقتهم القديمة إلا أن كليهما قد طرأ عليه التغيير بعد دخول رواية بينهما، فهذا استطاع أن يقنع الكثير بمبادئه وأفكاره، أما هذه فسمعت الكثير عن الإسلام، ولكن ليست كغيرها، فلم تسلم بعد، وفي ذات الوقت لم تعادِ صديقتها، وفي لحظة بعينها قررت قصة أن تبارد بسؤالها المكتوم، ولكن كانت هناك مبادرة أسرع منها، حيث ضُربت الإنذارات، وتلونت الإشارات، واقتربت السيارات، وأحاط بهم الرجالات