بعد أيام قلائل من رحيل الضيوف العابرين, حانت عودة شامل لموريتانيا, فدورة المخطوطات التي التحق بها أثناء دراسته بكلية دار العلوم أفادته كثيرًا, فبعد البحث الدؤوب عن عمل يناسبه أرشده البعض بعد معرفتهم بمهارته في التعامل مع المخطوطات إلى شنقيط ومكتباتها حيث آلاف المخطوطات المتكومة والتي لم تحقق إلى يومنا هذا فسعى حتى وصلها, فكانت له الطبيعة المثالية والحياة النموذجية, ولهذا اقترح على الروح مصاحبته إليها مرغبًا فيها:-  

  • لقد ذهبت لبلدة هي مكة في سابق عهدها, هي المدينة في أول هجرتها, وإن كانت بلا رسول وبلا كعبة.
  • لأين ذهبت؟
  • الحياة الأولية والطبيعة المثالية, شنقيط مدينة بها كل ما يدعو ويذكر ببيئة كل نبي, مدينة ليس فيها أي من الوسائل الحديثة التي قد تشغلك, ليس بها سوى العلم والذكر.
  • لهذا الحد راغب فيها؟
  • نعم بها آلاف المخطوطات القيمة لأهم العلماء العرب والمسلمين, يا لروعة صفائها ونقائها, بيئة صحراوية جافة ولكن ثقافاتها المتعددة تهون أي جفاف, تمطر كتبًا وعلمًا, تجاوز سكانها الأوروبيون ممن أسلموا ألف شخص فروا من حول العالم وما فيه ليختبؤا في شنقيط حيث المحظرة والكتب.
  • المحظرة؟
  • هي أقرب للكتاب المصري الريفي, ولكنها أوسع شعبيًا وأشمل علميًا, يدرس فيها كل ما ينفع البشر, تجدين فيها كل الفروع لجميع المجالات, أعتقد أنه المكان الأمثل لي ولك.
  • ولكن كيف لي أن أترك هؤلاء النسوة وحدهن بعدما تعلقوا بي؟
  • كما يحتاجك هؤلاء النسوة تحتاجك تلك الأوروبيات حديثات الإسلام لتعلمهن من روح قلبك وروح إمامك عليه وله منا كل الرضا.

فتبسمت قليلًا وأودعت يدها على رأسه تلامس شعره مداعبة:-  

  • يا لك من شنقيط!

فتذكر على الفور فيلم إسماعيل ياسين في الأسطول وعبدالمنعم يقولها للشويش عطية, فكم من ذكريات مصرية ونكات وإفيهات تركوها خلفهم ولم يعد لها وجود في حياتهم, فأغروقت عيناه اشتياقًا لما هجروه ورائهم, فشعرت به وبالحالة التي انتابته فاحتضنته مصبرة:-  

  • لا تجزع يا عزيزي فشيخنا عليه وله منا كل الرضا يقول؛ “من لم يعرف قدر النعم بوجدانها عرفها بوجود فقدانها” و “ربما ورد الظلم عليك ليعرفك قدر ما من به عليك”.

وبعد ثلاث ليالي شدوا الرحال.