شرعت الشمس في بث أشعتها, وإذ بالباحث الأجنبي يقدم على الروح بينما هي جالسة بين متجولاتها داخل المدرسة العطائية حديثة المنشأ, قديمة الفكر, أصيلة الحق, حيث ترشدهن لأنوار بحرها وشموس قلبها, ولقد لوحظ تأثرها بالمنهجية الشنقطية في التدريس, فكم هم هؤلاء الشناقطة عمالقة في طرق التعلم وأساليب التعليم, فليس في شنقيط ولا محاظرها التعليمية مثيل في البلدان العربية سواء جامعات أو مساجد أو كتاتيب, فالمعلم الشنقيطي يجلس في المحظرة بكل ما علمه وعرفه ودرسه وتبحر فيه وتجرع منه وما عليه إلا توضيح العنوان المقرر دراسته, وعلى الطلاب مناقشته فيما بينهم ثم مع معلمهم, وعندما يحين دور المعلم لا يتحدث برأيه أو من تلقاء نفسه وإنما يجلب جميع الكتب والمخطوطات المتخصصة ليدرسوها ويبحثوا فيها حتى يعرف كل مدى صحة وخطأ رأيه, فلا فرض ولا جبر على الطلاب في المعرفة, فليطلعوا على جميع الآراء وكل له حريته في إتباع أي المناهج, فيا لها من مدينة عالِمة حقًا بعلمائها وطلابها, وبعد أن انفض مجلسها الصباحي اقترب الباحث من روح القلوب قائلًا:-   

  • أنا مستشرق ومترجم تجولت الكثير من أجل توثيق معلومة وتحقيقها تخص شيخك ابن عطاء الله, لقد فتنت به كثيرًا وأعجبتني حكمه, فحاولت ترجمتها مع شرحها, وشرعت في الإستقصاء عن مشايخ وعلماء أدرى وأعلم بالصوفية حتى عثرت على ما أريد ولكن في مستهل الحديث سمعت بعض الشيء مما أرهقني كثيرًا في تحقيقه ولم أحصل على مصدر, فأحد المشايخ الكبار في مصر حكى لي مناظرة وقعت بين قطبين أساسين في العالم الإسلامي في ذلك القرن المشهور بعلمائه, أيتسع صدرك ووقتك لسماع القصة, فإن كانت حقيقية فهي ضربة قاضية لجميع الفرق السلفية وانتصار للصوفية كما تتغنى بها.  
  • اتفضل يا عابد إياه, فلا مبغى لنا في هذه الدنيا إلا طلب العلم ومعرفة الحقيقة, غير أنه لا يهمني ضرب السلفية ولا ضرب الصوفية ولا انتصارهما كما تقول, فلا يكمن في قلبه مثل هذا إلا من كان قليل الإيمان ضعيف الحجة.

ثم صاحت على المتجولات منادية لهن:-

  • أيتهن الزاهدات المتجولات اقتربن لتتعلمن.

فتجمعن ثانية, فشرع الباحث في قراءة ما بين يديه من أوراق بعدما أوضح أنه دونها حرفيًا كما سمعها:-  

  • لقد قيل أن الشيخ ابن عطاء الله السكندري, والشيخ المنبجي شيخ الأمير بيبرس الجاشنكير, كانوا من أتباع الشيخ ابن العربي, وكم هو معلوم الخصومة بين ابن تيمية وابن العربي, ولكن ابن تيمية لم يهتم بسخط أتباع ابن العربي, فمضى يكتب شعرًا يسخر فيه من المتصوفة الذين يدعون الفقر فقال على لسانهم,

والله ما فقرنا اختيار          وإنما فقرنا اضطرار

     جماعة كلنا كسالى             وأكلنا ما له عيار

     تسمع منا اذا اجتمعنا           حقيقة كلها فشار

فأخذ تلاميذ ابن تيمية يتغنون بهذه المقطوعة على إيقاع نغمات الذكر عند الصوفية, فاستخف عامة الناس بالصوفية وبدوأ يطاردونهم بهذه الأبيات, فتوجه ابن عطاء الله ومعه جماعة من الصوفية إلى القلعة (دار المحكمة) فادعوا على ابن تيمية أنه ينكر الإستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم والتوسل به, وينكر شفاعته للمسلمين.

فعقدت المحاكمة لابن تيمية من قضاة المذاهب الأربعة, وفي المحاكمة وقف ابن عطاء الله السكندري يدعي بالإتهام ولم يجعل الإتهام هو الهجوم على ابن عربي وإنما تحايل على القضاة, فقام ابن عطاء الله السكندري فقال؛ الفقيه ابن تيمية ينكر الإستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم, وهذا مخالف للأحاديث الصحيحة فهو ضلال.

فقام ابن تيمية فقال؛ لم يصح عن الرسول صلى الله عليه وسلم حديث واحد أمرنا فيه بالإستغاثة, بل صح عنه النهي عن ذلك.

وأخذ يشرح ما في الأمر من وجهة نظره حتى انتهى.

 فقال رئيس المحكمة؛ ليس في هذا ضلال أو كفر, ولكنه قلة أدب.

ولكن صمم أحد القضاة من أتباع بيبرس أن يحكم بسجن ابن تيمية وجلده إلا أن الجميع رفض.

ولكن ابن تيمية عاد لمجالسه وحلقاته وأخذ يسخر من الصوفية أكثر وأكثر ويتهم ابن عربي بالتناقض والنفاق وازداد تلاميذ ابن تيمية في التشنيع والتنكير على الصوفية وما يأتونه من أقوال وأفعال.

فذهب الشيخ المنبجي وطلب من الأمير بيبرس والأمير سلار أن يخلصا الناس من ابن تيمية فهو مصدر الفتن في البلاد وبين العباد, والصوفية وأهلها وعامتها يتواعدونه هو وتلاميذه.

فاستدعى ابن تيمية إلى القلعة وخير بين ثلاث أمور (يرحل للإسكندرية, أو يعود إلى دمشق, وفي كلا البلدين يعقل لسانه عن الصوفية, وإما أن يسجن)

فاختار السجن أولا إلا أن تلاميذه وأحبابه طلبوه بالعودة لدمشق أفضل, فعدل عن قراره وذهب لدمشق.

وفي تلك الأثناء أصبح بيبرس هو السلطان فذهب إليه شيخه المنبجي ومعه الشيخ ابن مخلوف فألحا عليه بقتله والتخلص منه فبعث إليه رسول فأدركه في بلبيس, فعاد به.

وبعد أن تشاور بيبرس مع سلار في إعدام ابن تيمية رفض سلار واكتفى بالحبس.

فعقدت المحاكمة لتعيد النظر مرة أخرى وكان مخالفًا لقاضي قضاة المالكية ابن مخلوف, ولكن كان قرار المحكمة أن ما ثبت عليه شيء, فقيل له لابد من حبسه طبقا لأمر السلطان,

فقال له قاضي القضاة؛ الحبس لك مصلحة, فالصوفية يأتمرون عليك, فقال ابن تيمية؛ وأنا أتبع ما في مصلحتي وأرضى بالسجن.

وحبس ولكن في محبس القضاة وهو مكان مريح وكبير, فأقبل عليه الطلاب وبدأ يلقي دروسه من جديد, فذهب المنبجي إلى بيبرس الجاشنكير وشكا له التفاف الناس حول ابن تيمية, فأمر بيبرس بنفيه إلى الإسكندرية وتحديد إقامته.

ولم يهدئ ابن تيمية كعادته, ولكن مرت الأيام حتى دعي للقاهرة من جديد وقد ظن بأن بيبرس أراد تأديبه مرة أخرى بتغليظ العقوبة, ولكن أخبروه في الطريق بأن السلطان الناصر محمد بن قلاوون عاد إلى ملكه وأول ما أمر به الإفراج عنه وإحضاره إياه.

سكت المترجم الأجنبي قليلًا ثم استأنف حديثه موجهًا نظره لروح القلوب ومتجولاتها:-

  • ما سبق هو مقدمة واستهلال لتفهمين ما سأقوله الآن.

ثم عاود النظر لأوارقه وأكمل القراءة:-

  • بلغ ابن تيمية القاهرة بعد صلاة العصر، وحوله الأمراء الذين اصطحَبوه مِن الإسكندرية، كأنهم حرس شرف، ثم خرج إلى الأزهر في انتظار أذان المغرب، فقابل هناك ابن عطاء الله السكندري فقال له الأخير – :
  • ألفْتُ أن أُصلِّي المغرب في جامع مولانا الحسين، وأصلي العشاء هنا، فانظر تقدير الله، قدَّر لي أن أكون أول مَن يَلقاك، أعاتِبٌ أنت عليَّ يا فقيه؟

فقال ابن تيمية:-

  • أعرِف أنك ما تعمَّدت إيذائي، ولكنه الخلاف في الرأي، على أن كل مَن آذاني فهو منذ اليوم في حلٍّ منِّي.
  • ماذا تَعرِف عني يا شيخ؟
  • أعرف عنك الورع، وغزارة العلم، وحِدَّة الذِّهن، وصِدقَ القول، وأشهد أني ما رأيتُ مثلكَ في مصر ولا في الشام حبًّا لله، أو فناءً فيه، أو انصياعًا لأوامره ونواهيه، ولكنه الخلاف في الرأي، فماذا تعرف عني أنت، وتَحكم عليَّ بالضلال إذ أُنكِر استغاثة غير الله؟
  • إني أعجب لك يا فقيه، فأنت نَصير السنَّة، تَستوعِب الآثار حِفظًا وفهمًا، كامل الفِكر، سريع الإدراك, ولكنك تُطلِق عبارات أحجَم عنها الأولون والآخِرون، وتَخرُج فيها عن مذهب إمامك أحمد، ومذاهب سائر الأئمة.
  • مَن تعصَّب لمذهب بعَينه، فقد أشبه أهل الأهواء.
  • أما آن لك يا فقيه أن تَعرِف أن الإستغاثة هي الوسيلة والشفاعة، وأن رسول الله يُستغاث ويتوسَّل به، ويُستشفع به.
  • أنا في هذا أتبَع السنَّة الشريفة, أما الاستغاثة ففيها شبهة الشرك بالله – تعالى – ولهذا منعها سدًّا للذرائع، قال – تعالى -: ﴿فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ﴾ [الجن: 18] صدق الله العظيم.
  • أصلحكَ الله يا فقيه, فهمك أن الإستغاثة بغير الله هي شرك، فمَن مِن المسلمين الذين يؤمنون بالله ورسوله يَحسب أن غيره – تعالى – يَقضي ويُقدِّر ويُثيب ويُعاقِب؟, إنما هي ألفاظ لا تؤخذ على ظاهرها، ولا خوف مِن الشرك لنسدَّ إليه الذريعة، فكل مَن استغاث الرسول فهو إنما يَستشفِع به عند الله مثلما تقول أنت: أشبعَني الطعام، فهل الطعام هو الذي أشبعك أم أن الله – تعالى – هو الذي أشبعك؟

أما تحريمك الاستغاثة لأنها ذريعة إلى الشرك، فإنك كمَن أفتى بتحريم العِنَب لأنه ذريعة إلى الخمر، وخصي الذكور غير المتزوِّجين سدًّا للذريعة إلى الزنا.

ثم عاتبه ابن عطاء الله السكندري على كلامه في ابن عربي قائلًا:-

  • إنَّ الأخذ بظاهر المعنى يوقِع في الغلَط أحيانًا يا فقيه، ومِن هذا رأيُك في ابن عربي؛ فقد فهمتَ ما كتبَه على ظاهره، والصوفية أصحاب إشارات وشطحات روحية، ولكلماتهم أسرار، فكان يتعيَّن على مَن هو في مثل حذقك، وحِدَّة ذهنك وعلمك باللغة أن يبحث عن المعاني المكنونة الخفية وراء الكلمات؛ فالمعنى الصوفيُّ روح، والكلمة جسد، ثم إنك اعتمدت في حُكمِك على ابن عربي على نصوص قد دسَّها عليه خصومه.

ثم سأله عن الإمام أحمد، فأجاب، ثم عن الإمام عليٍّ، فأجاب، فقال ابن عطاء ما معناه: هل يُحاسَبون بما فعَل المُتعصِّبون لهم والغالون فيهم؟, فاقتنع ابن تيمية أن ابن عربي بريءٌ مما يفعله أتباعه، فسأله عن لبس الخِرَق، وما يُروى من الكلام فيها، فتبرَّأ ابن عطاء منها، وقال:-

  • نحن نُعلِّم الصوفية أن القذارة ليست مِن الدِّين، وأن النظافة من الإيمان, لقد ظهر بين الصوفية منذ قرنَين من الزمان أشياء كالتي تُنكِرها الآن، واستخفُّوا بأداء العبادات، واستهانوا بالصوم والصلاة، وركضوا في ميدان الغفلات، وادَّعوا أنَّهم تحرَّروا من رقِّ الأغلال، ثم لم يرضوا بما تعاطوه مِن سوء هذه الأفعال، حتى أشاروا إلى أعلى الحقائق والأحوال.

فقال ابن تيمية:-  

  • هذا الكلام عليك لا لك، فالقُشيريُّ لما رأى أتباعه يَضلون الطريق قام عليهم ليُصلحهم،فماذا فعل شيوخ الصوفية في زماننا؟, إنما أريد مِن الصوفية أن يَسيروا على سنَّة هذا السلف العظيم مِن زُهاد الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان.

انتهى الباحث المستشرق من قراءة ما لديه من أوارق فوضعها جانبًا ونظر لروح القلوب في انتظار تعقيبها, فقالت بهدوء وودية:-

  • لا والله, ما هذا إلا كذبًا وافتراء على الإمامين, أرح نفسك, فلم تحدث مثل هذه الشطحات والمشاهد التمثيلية.  
  • ولكن ما مصدرها؟
  • هذه القصة ظهرت علينا كما قلته “بالنص” في الآونة الأخيرة في كتاب ابن تيمية الفقيه المعذب لعبدالرحمن الشرقاوي.
  • المفكر الإسلامي؟!
  • والكاتب المسرحي أيضًا, هذه المناظرة ما من مصدر موثوق منه قد ذكرها, قيل أنها لابن الأثير وابن كثير وقد ذكرها الدكتور جمعة مفتي الديار المصرية والكثير من العلماء في أحاديثهم كحجة على السلفيين إلا أنه بالبحث الدقيق ستجد أن ابن كثير لم يذكر هذا, وابن الأثير توفي قبل أن تقع هذه المناظرة المزعومة بحوالي قرن من الزمن, ولكني في الحقيقة ممتنة لك كثيرًا على إتقانك لعملك فلم تقع فريسة الهوى.

انسحب المستشرق من أمامها بعد تقديم الشكر والتقدير لسعة صدرها وحسن ترحيبها, وقبل أن تنصرف المتجولات سألت عن المتغيبات منهن فقد لاحظت عدم حضور السيتشيلانية وإلتزامها بقواعد المدرسة وما نظمن من قوانين, فأخبرت أنها لا تبرح المكتبات ولا تفارق المخطوطات, وما كادت تنهض من مقعدها وإذ بعجوز شنقيطية تقترب منها محدثة إياها في سكون ورغبة:-

  • ما بالك يا روحنا أن تحيين بمتجولاتك حفل اليوم, فهو من الإسلام أيضًا.
  • استغفر الله يا أماه لا أنكر حفل الزواج ولا الفرح فهما من سنن الكون ومن لوازم الإسلام وروحه, ولكن حفل زواج من؟
  • إنه طلاق بنيتي, فطلاقها الثالث بحمد الله وفضله.
  • عذرًا يا أماه, أسألك عن الحفل.
  • ولقد أجبتك عن الحفل, أليس في بلادكم حفلات للطلاق؟
  • طلاق؟ وهل للطلاق حفل؟ لا نعرف له إلا الولولة والعار.
  • عار؟! وأي عار هذا؟ أليس الزواج من الإسلام؟
  • بلى.
  • أليس الطلاق من الإسلام؟
  • بلى, ولكن..
  • ولكن ماذا؟ شارع الزواج هو شارع الطلاق يا بنيتي, أليس القائل إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان؟
  • نعم إنه تعالى.
  • إذن فلماذا نحتفل بالزواج ولا نحتفل بالطلاق, لا يعاب في بلدتنا على أي من النساء في الطلاق, ولكن العيب كل العيب في حق الرجل, فالرجل هو المشان في المجتمع لطلاقه, وأما المرأة فكلما زاد طلاقها زاد جمالها وطلبها ورغبة الرجال بها, ما من مطلقة عانس, فما العوانس إلا البكر.
  • يا الله!؟ ما هذا الذي يقال؟! أهذا حقيقي يا أماه؟
  • نعم يا بنيتي, فالمثل الشنقيطي يقول المرأة عمامة الأجواد وحذاء الأدنياء, فلتأتي معي إذن.
  • يا إلهي لو طبق هذا الأمر في مصر ليوم واحد, ما احتفظ رجل بزوجه, وما رغبت زوج في زوجها.

اصطحبتها العجوز للحفل ومن حولها متجولاتها وهم أقل دهشة وتعجبًا من روحهم, فمجتمعاتهم أقل حدة على المرأة المطلقة من البلدان العربية, وبمجرد دخولها منزل العجوز وقفن جميع النسوة المحليات تحية وتقدير للروح فحيتهن وأشارت لهن بأن يكملن رقصهن وتسامرهن, وما أن استقرت في المجلس هي ومتجولاتها حتى أتت قدور تحوي بجوفها أرتال الحليب من ماعز وجمل وبقر وجاموس, وأطنان الفواكه من موز وتفاح وكمثرى وجوافة, فمالت الروح على العجوز لتخبرها في هدوء وتوجس:-

  • ما هذا كله! لسنا بقادرات أن نتجرع شيء منه.
  • هذا ليس بكرم ولا بضيافة يا بنيتي, وإنما فرض عليكن, فهذه عاداتنا وأوضاعنا, فليس بينا نحيفة ولا يصح لنحاف بيننا.
  • لماذا يا أماه؟
  • المرأة لا تكون إلا سمينة, ولا تعيش ولا تزوج عندنا إلا السمينة, فانظري حولك أتجدين نحيفات بيننا؟, فالمثل الشنقيطي يقول المرأة الممتلئة تملئ مكان أكبر في قلب الرجل, فعلى قدر حجمها يكون حجم حب الزوج لها, تخضع الفتاة عندنا للتسمين الإجباري من قبل الجدادت, وإذا منهن من خالف القواعد تعاقب بالضرب والجلد باستخدام الإياز.

فنظرت الروح لقطعة الخشب التي في أيديها فوجدتها وقد تشبه “الفلقة المصرية” التي كانت تستخدم قديمًا في الكتاتيب الريفية, فاقشعر جسدها وسار الخوف في أوصالها, فنظرت لمتجولاتها بعينيها تحثهم بل تأمرهم بالأكل, ثم ألقت نظرة مرتجفة للنسوة الشنقيطات حولها, فوجدتهن حقًا سمان ولكن ليس بالشيء المبالغ مما يعطهن جمالًا وملامحًا شهية مثل تلك التي يحبها المصريون في النساء, وإن اختلف التسمين في موريتانيا بالفواكه واللحوم والحليب عن التسمين المصري بالكرنب والمحاشي.

وفي أثناء تسمينهم دفع الفضول إحدى المتجولات لتسأل:-   

  • طبقا لوضع التعدد هذا في الزواج والطلاق كيف للرجل والمرأة تحمل نفقات أكثر من زواج؟

فأجابت إحدى الشنقيطات التي تراقب عملية التسمين بناء على تعليمات الجدة الصارمة بوجوب إنهاء جميع القدور:-  

لا الرجل ولا المرأة يتحملن أو يحضرن شيء في الزواج, فكل الأدوات والمستلزمات مسئولية الأقارب والأصدقاء والجيران حيث ينسقون فيما بينهم ويحضرون كل شيء أثناء الزفاف ثم تحمل لبيت العروسين