ذات ليلة, كان خالد جالسًا على مقهى أم المصريين في وسط البلد, يتابع بعينه من ذهب ومن أتـى، وبأذنه يتنصت على ما قيل ومن قاله، فهذا هو عمله الرسمي، فمهنة الإرشاد شاقة ومتعبة، كان الله في العون، دق هاتفه المحمول، فوجد المتصل أخته ولاء فأجاب عليها، فصاحت به:

  • أين أنت؟  
  • في المقهى.      
  • لماذا لم تأتي اليوم؟ هل نسيت أنه موعد زوجي؟ 
  • ما أتذكره أن معتز رقمه السابع بعد الثمانين.
  • اليوم من الخامس بعد الثمانين إلى الخامس بعد التسعين. 
  • أتأسف لهذا, لقد نسيت، فسوف أشاهده على المقهى.

  ثم ينادي عامل المقهى، ويصيح به أشعل التلفاز على القناة الرسمية لنشاهد برنامج البدلة الحمراء.

 فتقاطعه أخته منزعجة:

  • ينبغي عليك أن تأتي لتشاهده معنا، فكل الزوجات تحضرن من تبقى من الإخوة عند مشاهدة أزواجهن، فلقد جهزت شاشات العرض وكل ما يلزم التسلية.

  ذهب خالد لمنزل أخته ومع أول خطوة يخطوها داخل المنزل سمع ذلك المذيع الشهير وهو يبدأ برنامجه بكلماته المعتادة: “أهلا بكم أعزاءي المشاهدين والمشاهدات في كل أنحاء العالم، الليلة حلقة جديدة من برنامجكم البدلة الحمراء, أتمنى أن تنال إعجابكم، فاصل وسنعود، لا تذهبوا هنا أو هناك، فما زال القادم أجمل”

        ثم سمع صوت ليلى خالته، وهي أيضا جاءت للمشاهدة مع الأسرة تقول في تململ واستنكار:

  • يا إلهي إعلاناتهم هذه طويلة للغاية.

ثم سكتت قليلًا قبل أن تواصل في إعجاب:

  • هذا بكل تأكيد لأنه أفضل برنامج بالنسبة للوكالات الإعلانية.

وصل خالد للمجلس فوجد من الأهل والأحباب الكثير، مما يصعب عليه أن يمر ليصافح الجميع، فقرر في نفسه أن يجلس في المقدمة، ويكتفي بإلقاء السلام، وما أن جلس حتى خطى إليه وائل ابن أخته ذو الأعوام العشر، فأخذه بين أحضانه وأجلسه بين فخذيه. 

 بعد ساعة من الإعلانات طال مرورها، عاد ذلك المذيع الجذاب ليقول بصوته النسائي:

  • بعد ما مكنا قضائنا الشريف حفظه الله من الحكم النهائي بالإذاعة والبث المباشر يمكنكم حصريًا مشاهدة كل حلقات برنامج البدلة الحمراء على جميع قنوات التلفزيون الرسمي، واليوم أعزاءي المشاهدين سيتم تنفيذ الأحكام من رقم 85 لرقم 95، ومعنا مراسلنا من داخل غرفة التنفيذ حسونة البسبوسة

 المذيع:

  • أهلا يا حسونة، كيف حالك وحال البسبوسة؟

 حسونة:

  • أهلا بيك أستاذنا الجميل، لقد اشتقنا لك ولمداعباتك اللطيفة.
  • ما أخر الأخبار لديك؟
  • كل شيء يسير بطبيعته، وبهدوء كالمعتاد، وكما ترى معي عبر الكاميرا هؤلاء الحقراء يصعدون الآن على المنصة للاستعداد للتنفيذ. 

يخاطب المذيع الجمهور:

  • والان أعزاءي المشاهدين والمشاهدات ننتقل إلى المتهمين لسؤالهم عن أخر أمانيهم في هذه الحياة. 

المذيع:

  • رقم 85 أترغب في محادثة أحد أقاربك؟
  • لا    
  • لماذا؟
  • لا أحد منهم باقٍ، فكلهم ذهبوا على أيديكم.

       

                   تم التنفيذ 

المذيع :

  • رقم 86 أترغب في محادثة أحد أقاربك؟
  • لا
  • لماذا؟
  • لا أحد منهم باقٍ, فكلهم ما زالوا تحت قبضتكم.

                

                   تم التنفيذ

المذيع:

  • رقم 87 هل ذهبوا كلهم أو ما زالوا لدينا؟
  • لا لا يا سيدي، فسبحان الله، هو القادر على كل شيء، فما زالت زوجتي وابني على قيد الحياة، وإني لأرغب في سماع صوت ولدي وائل.

 بعد دقيقة يتم التواصل تليفونيًا مع وائل فيتحدث وهو على حجر خاله خالد فيقول بنبرة واثقة قوية: 

  • أنا لا أريد أن أقول لأبي شيء، فأبي سيخبره من هو ذاهب إليه بما هو أفضل من قولي، ولكن أريد أن اقول لك أيها المذيع الجذاب بعض الشيء؟

فيتعجب المذيع مستفسرًا:

  • ماذا تريد أن تقول لي يا أنت؟ 

فيصيح وائل بطريقته الطفولية:

  • نحن شعب لا تهيبنا البدلة الحمراء، ولكننا نشفق حقا على مؤخرتك الحمراء.

  فيتبسم الأب بشفتيه الصافية، ومعها يتم التنفيذ، فيتدلل وجهه بابتسامة عذبة، ستكون هي آخر ما سيتذكره وائل لأباه، أما خالد فنهض من مجلسه وفي صحبته وائل ليذهب به إلى ما سبقه إليه والده.

_____________

نشرت قصة البدلة الحمراء ضمن المجموعة القصصية عربي وأعجمي ورقيًا في مصر في 2020، وهنا القصة كما نشرت دون أي تعديل أو تصحيح.