بينما يحتسي قهوته الصباحية ويتصفح الجرائد في الشرفة, تلقى سيادة المستشار مكالمة هاتفية من رئيس المحكمة يخبره فيها بأن تم توزيع القضية المعروفة إعلاميًا بالموظف العام لدائرته, حاول أن يعتذر عنها لأنه لا يتشجع كثيرًا في القضايا المثارة إعلاميًا, ولكن رئيس المحكمة أبى بشدة معللًا بأنه يرأس أكفئ دائرة سوف تستطيع إيجاد الحق والأخذ بالثأر لهذا الموظف المسكين.

أنهى المكالمة على مضض ثم أخذ يتصفح كل الوسائل الإلكترونية والإعلامية ليتعرف على الموضوع أكثر لحين استلامه أوراق القضية, فبعد التصفح هنا وهناك استخلص أن هذا الموظف أثناء تأدية واجبه وقيامه بعمله الشرعي, قام المواطن – الطرف الآخر من القضية – بالبصق عليه وسبه, وكانت الرموز الإعلامية والسياسية والنخبة الثقافية مستاءة لأبعد الحدود من هذا المواطن المتخلف الوضيع الذي يحاول عرقلة مسيرة الديموقراطية بالبلاد, ويتأمر على أم الدنيا التي سوف تكون ” قد الدنيا”.

 والشيء ذو الأهمية الجوهرية أن صاحب الجلالة بذاته انشغل بالأمر فألقى بيانًا كريمًا على الأمة لينصف هذا الموظف الحكومي ويدعمه في قضيته لأن الحكومة لا تتخلى أبدا عن موظفيها الشرفاء من حماة الوطن, وأبدى حزنه الشديد من المواطنين المخالفين لقوانين الدولة العريقة, وبعد هذا البيان الكريم الصادر من القصر الحصين والمبعوث على لسان كبير السلاطين سارعت الهيئات والجهات والأحزاب والجمعيات بإصدار البيانات تضامنا مع هذا الموظف العام, منتقدة فيها الشعب الجاهل الذي لا يستحق الحياة.

  تعاطف سيادة المستشار وتأثر كثيرًا ناحية هذا الموظف الذي انتهك حقه, وفي صباح اليوم التالي توجه للمحكمة لاستلام أوارق القضية, وبعد ساعات معدودة كان يجلس على مكتبه الشخصي بالمنزل ليتفحص هذا الملف الهام للغاية والذي أشغل الرأي العام, فأخذ يطلع على المعلومات الرئيسية:

–      مكان الحادثة: غرفة أمنية خاصة.

–      الوظيفة:      جلاد 

–      الواقعة :  أثناء تأدية الجلاد لعمله بانتزاع أظافر الموطن (الطرف الآخر) لتخليه عن فكرة أن أحداث يناير ما هي إلا مؤامرة وليست ثورة, وأن المشاركين بها والداعين لها ما هم إلا عملاء خونة يتقابضون أجورهم من الدول الأجنبية, رفض المواطن وصمم على أفكاره الإرهابية, وهذا ما أدى بالموظف لمتابعة عمله بالوسائل الأقوى والأكثر فاعلية طبقًا للدستور والقانون, وفي هذه الحالة قام المواطن بالبصق عليه.

– سبب الإحالة: كل الوسائل المستخدمة من قبل الجلاد لم تخالف الدستور والقانون, ولهذا فأننا نحن النيابة العامة نحيلها لسيادتكم طبقا لقانون التعدي على الموظف العام, فالجلاد يعذبنا بعدل, يقهرنا بعدل, يقلتنا بعدل ……    

_________________

نشرت قصة الموظف العام ضمن المجموعة القصصية عربي وأعجمي ورقيًا في مصر في 2020، وهنا القصة كما نشرت دون أي تعديل أو تصحيح.