خرج وليد في الصباح الباكر كعادته متوجها لمكتبه, فهو نشيط للغاية, وهذا ما جعل منه رجل أعمال ناجح, فهو يعمل بصمت, فلا يحب الإعلام ولا الشهرة, فكل أعماله متسترة, ليست لأنها غير شريفة, ولكنه يؤمن بأن الإنسان الناجح هو من يعمل أكثر ممن يتفاخر بأعماله, عندما خرج من منزله وجد صوانًا قد نصب في ساحة الحي, فلما سئل أخبر بأن البارحة توفي رئيس الحي نتيجة لاختناق في التنفس, فترحم عليه كثيرًا فكم كان رجلًا صالحًا, وعزم ألا يذهب للعمل إلا بعد تشييع جنازته, بعد الجنازة استقل سيارته في طريقه لمكتبه, وإذ فجاءة توقف الطريق لمرور عربيتي إسعاف تكاد أن تطيرا, فسمع المارين من حوله تتهامس بأن هذه السيارات تنقل جثمان رئيس المدينة والمحافظ, فلقد وجدوا جثث هامدة في مكتب المحافظ صباح اليوم نتيجة لاختناق في التنفس, فذهل من هذا الموت المفاجئ وهذه المصادفة, فكم كانا خيرين صالحين محبين للخير ولفاعله, وصل لشركته وأتم عمله, وفي عودته للبيت إبتاع جرائد المساء, فصعق عندما قرأ العنوان الرئيس:

 ” قضى خمسة من الوزراء نحبهم عصر اليوم هم وزير المالية, وزير الشئون الاجتماعية, وزير البيئة, وزير الصحة, وزير التعليم”

  يا لها من مصادفة عجيبة غريبة, فمن المؤكد أنها مؤامرة كبرى ضد الدولة تنظمها أجهزة الاستخبارات المعادية لمصر وأهلها, واندهش أكثر عندما علم أن سبب الوفاة هي اختناق في التنفس أيضًا. 

 قضى ليله حزينًا أشد الحزن على أناس جالسهم مساء أمس, فلقد كانوا ضمن حضور بل أهم الحاضرين في حفل “عشاء من أجل مصر”, لقد كانوا الراحلون جميعهم يجلسوا المنصة, فكل منهم تحدث عن مجاله, حتى رئيس حيه ورئيس مدينته كانا حاضرين لأن لهم في الأمر شأن, وكان لابد من الاحتفاء والاهتمام من قبل الحكومة بهذا السيد رجل الأعمال لما قدمه من خدمة جليلة لمصلحة مصر, فلقد تبرع بمليار دولار من أجل حيه ومدينته كما تبرع بالجزء الأكبر منه لمجال التعليم والصحة والبيئة, ولكنه كان يوم متنوع ومختلف بأفكار جديدة, حيث كان يجب على المتبرع إحضار الفلوس نقديًا كنوع من التغيير في الاحتفاليات المتبعة في هذه الأيام, فأعد هذا المبلغ الضخم قبل الحفل بأيام. 

 بينما هو يتابع التلفاز متربصًا مرتقبًا فربما ينادي المنادي بميت جديد, فإذ زوجته الدكتورة حنان تصيح به وقد أمسكت بزجاجة فارغة:

     –  أأنت من أفرغت هذه الزجاجة؟

     –  لا

     –  فكيف سكبت إذن؟

     –  لا أعلم عنها شيء, فأين كانت؟ 

     –  لقد وضعتها في الخازنة, بجانب الأموال التي كنت تعدها للتبرع.

     –  وأي شيء كانت تحويه؟

     –  إنه تركيب خاص بي, أعددته في معملي بالجامعة, إنه اكتشاف جديد لم أفصح عنه بعد.

فضحك وليد قليلًا قائلًا بسخرية:

     –  ألن تنتهي من تجاربك الفاشلة أيتها الكيمائية؟

فقالت بثقة بعد أن كظمت غيظها:  

     – سترى كيف هذا الاكتشاف سينال أعظم الجوائز العلمية, إنه اكتشاف مميت يا عزيزي فاحذرني ولا تداعب كيمائية.  

فضحك وليد من كلماتها المعتادة, واحتضنها ثم ذهبا معا للنوم, وفي الثالثة فجرًا أصابه الأرق, فتطرق بأنسجة خياله هنا وهناك حتى أخذه التفكير بعيدًا, فأيقظ فجاءة زوجته, فقامت من نومها مفزعة:

     –  ماذا حدث؟

     –  تجربتك التي كانت في الزجاجة المسكوبة ما نتيجة فعلها؟

     –  الموت.

     –  كيف تسبب الموت؟

     –  أهذا وقت مناسب لكي أشرح لك معادلات كيميائية؟

     –  أعتذر لك كثيرًا يا حبيبتي على هذا الازعاج, ولكن يجب أن أعرف في الحال.

فقالت بعد تململ: 

  • الخلاصة أن هذه المادة تتفاعل في خلال 24 ساعة من تعرضها للهواء الشديد, وتسبب في تفاعل الدم ونسبة الأوكسجين لأي شخص تلامس جسده, فيترتب عليه موت سريع ومفاجئ نتيجة لقلة نسبة الأوكسجين في الدم. 

فصاح وليد متعجبًا:

  • يا إلهي ما هذا؟!

ثم تابع في ذهول وشرود:

  • كلامك ليس له سوى تفسير واحد, وهو بعد أن سلمت المال للأمين العام للحفل, سرقت ووزعت على المسئولين, فكل من تجرأ ولمسها حدث له ما حدث, ولكن الأمين العام لم أسمع عنه شيء, فسوف أحاول أن أصل إليه الآن.

   فتذكر سريعًا أن الأمين العام هو بعينه وزير المالية, ولقد مات مع من مات, بعد برهة من التفكير والاستنكار والتعجب فكيف لمثل هؤلاء أن يصنعوا مثل هذه الفعلة الشنيعة, تذكر أن رئيس الوزراء, ووزير الداخلية ووزير الدفاع كانوا من الحاضرين, ومع هذا فلم يحدث لهم شيء كالذي حدث لهؤلاء الوزراء اللصوص, فقرر أن يذهب لرئيس الوزراء ليصارحه بكل شيء, وأن يعلن للعالم أجمع كم هؤلاء شرفاء, ولكن أين يذهب والساعة مازالت السادسة صباحًا, فأشعل التلفاز, وأخذ يقلب بين القنوات حتى ظهر خبر شد انتباهه وخطف لبه, ألا وهو انتشار موت مفاجئ بين موظفي البنوك بسويسرا مما أسفر عنه قتل عشرة موظفين ومدير البنك, ففهم وليد سريعًا العلة.

________________

نشرت قصة تبرع مسموم ضمن المجموعة القصصية عربي وأعجمي ورقيًا في مصر في 2020، وهنا القصة كما نشرت دون أي تعديل أو تصحيح.