فتاة اجتماعية, كثيرة المخالطة, مرحة, نشطة, محبة لكل الناس, منذ اليوم الأول لالتحاقي بالجامعة أنتجت العديد من الصداقات, بنين وبنات, فدائمًا ما أرحب بحفاوة بأي شخص في مملكة العِشرة وإن كان أكثرهم يستقبلونني مأربة لا حفاوة في مملكة المصلحة, ولكنها طباعي وسجيتي قد تكون ميزة أو نقيصة, لا أعلم كيف ينظر الناس لها, فلكل فكره ومعتقداته الخاصة. 

 من أهم علائقي الفائتة هي تلك التي كانت تجمعني بتوتا, دائما ما كانت تجلس وحيدة منعزلة منكمشة على نفسها, ولا تتحدث كثيرًا, مع مرور الأيام خانها ظنها حينما هيئ لها بأنني بنت ناس ومن عائلة كما يقال, فتشجعت على مصاحبتي, فرحبت بها في معقل صداقاتي وعلاقاتي, وعندما اكتشفت أنني كأي فتاة عادية من أسرة متوسطة الحال, صدمت بشدة لخيبة توقعاتها, ولكن للحقيقة لم تفارقني, ليس لجمال عيوني ولا لحسبي ونسبي, ولكن لإعجابها بحبي لها وخفة ظلي, فأحيانا في أوقات فراغها يروق لها سماع نكاتي وفكاهتي وكأنني الأرجوزة التي ابتاعها لها السيد الوالد.

 في تلك الأثناء تعرفت أيضا بزميلنا توتو, وهو شاب فارع الطول, نحيف, أبيض, وسيم, سمعت ذات مرة بعض من الزملاء يدعونه ببسكوتة, بينما كان هناك زميل لنا صعيدي ما أن يراه  إلا ويقول النيتي ذهب النيتي أتى. 

 توطئت علاقتي بتوتو بالأيام وصرنا صديقين حميمين, فهمها البعض من سيئ الظن كما يحلو لهم, ولكن عباءة الصداقة وحدها هي التي كانت تكسونا, أصاحبه مثله مثل الكثير غيره, ويصاحبني لأنه مؤمن كل الإيمان بفكرة تجمع الفتيات حوله يعطيه بريقًا لامعًا ويكسبه وضعًا جذابًا.

 بهذا أصبحت صديقة لكل منهما على حدة, فتوتا لا تتقبل توتو مطلقًا, فتراه متكبرًا متعجرفًا أحيانا وأحيانا أكثر تراه منحطًا وضيعًا لا يسمح لها مستواها ولا وضعها الاجتماعي أن تصاحبه, أو حتى أن تلقى عليه بنظرة عابرة, وعلى هذا المنوال كان يظنها توتو أيضا, فكان يعدد لي مساوئها التي هي بعينها تذكرها فيه, كنت أتعجب من حجتهم المتشابهة في كرههم المتبادل لبعضهم البعض, ولكن مع الوقت أدركت كيف أن للمتكبرين المتعاليين قانونًا خاصًا, فالأفضلية الوحيدة التي يتمتعون بها أنهم لا يتقبلون ولا يحبون بعضهم البعض, فتجدهم نافرين عارضين, كما لا يروق لهم الاجتماع سويًا, فليصلي الكون بأسره شاكرا لله على أنهم فراد منعزلين, فلا نعلم كيف ستبدو الحياة بتجمع واتحاد هؤلاء المتغطرسين. 

 علاقة الكره والنفور المتبادل بين توتو وتوتا تناسبت عكسيا مع مرور الأيام, في العام الأول كانت ذروة الكره, أما في العام الأخير من الدراسة أصبح المتكارهان صادقين, ومن ثم حبيبين, وهذا بالطبيعي أدى إلى تقلص علاقتي بهما وتحجيمها, فلا حاجة لي إذن, مع أنني كنت سعيدة للغاية بنجاحي في تقاربهم سويًا, واستخدمت كل وسائلي من الحيل والافكار من أجل ثلاثياتنا, ولكنهما حبذوها ثنائية تنحصر عليهما.

 لحظ في العام الأخير أنهما لا يجلسا سوى مع الأساتذة باختلاف درجاتهم, وأصبحت أنا كغيري من الزملاء, نعامل بمعاملة مثل تلك المتعجرفة التي اعتدنها من الأساتذة, من النظرة الدنيئة والسلام الفاتر والتجاهل المتعمد, في البدء لم أتمكن من معرفة العلة, حتى ذات مرة اختليت بتوتا منفردة, فسألتها:

  • لماذا تجالسوا الأساتذة كثيرا؟

 أجابت عليَّ بعد أن وضعت قدم فوق الأخرى:

  • لأن والدي مستشارًا, ووالد توتو أستاذ جامعي.

 فسألتها متعجبة:

  • وماذا يعني هذا؟

فقالت بعد قهقهة عالية:

  • إنك لمسكينة حقًا هذا مفاده أننا سوف نتعين بالكلية العام القادم.

 ففهمت مقصدها وابتلعت لساني, فلها الحق كل الحق في مجالسة الأساتذة حفظهم الله حتى تتعلم منهم فن الكبرياء عمليًا.  

______________

نشرت قصة توتا وتوتو ضمن المجموعة القصصية عربي وأعجمي ورقيًا في مصر في 2020، وهنا القصة كما نشرت دون أي تعديل أو تصحيح.