بعد الفراغ من أركان الحج العظيم، وانقضاء الموسم الجليل الذي يعد التجمع الأكبر والأهم في العالم الإسلامي، انصرف الجميع، العربي والأعجمي، كل رجع عَوْدُه علي بدئه، فرحين مستبشرين، آملين القبول، راجين مغفرة الذنوب، طالبين العفو عن كل ما فات، راغبين في بدء حياة نقية بلا ذنوب ولا آثام.  

  في درب العودة نزل ملك جليل بأمر من العلي القدير، ليبشر الحجيج بحج مبرور  وذنب مغفور، ولينادي في الجمع بأنه جل علاه سخره من سابع سماء ليحقق جميع الأماني والرغبات، ويلبي كل الآمال والطموحات، فعلى كل نفس التمني بما يحلو لها وعليه تنفيذها في الحال.

 أخذ الملك يسأل العباد عن ما يجول بخاطرهم من أرجاء وآمال، فبدأ بسؤال العربي:

  • أي شئ تبتغيه أيها العربي؟

فأجابه العربي بكل فرح وسرور: 

  • أرجو أن تتوسط لي عند ربك لأعيش مادامت الحياة الدنيا باقية، ثم يخلدني في الجنة.

فتعجب الملك من طلبه وقال محذرًا:

  • لا وساطة في الجنة يا عربي، فهي في بلدانكم فقط.

فقال العربي متلهفًا متحسرًا:

  • إذن, دعني ألتقيه فقد كتبت فيه من الأشعار والشعارات ما تطيب له النفوس وتحنو إليه القلوب وتروق له العقول.

فقال الملك مستنكرًا:

  • يا عربي هذا التطبيل والنفاق الذي اعتدوا عليه إنما هو لحكامكم فقط.  

فأخذ يصرخ العربي، هذا حرام! هذا ظلم!، ويصيح بصوته المبحوح متهمًا الملك الجليل المبعوث من العادل الحكيم، فجعل الملك كلامه دبر أذنيه، وتوجه للأعجمي سائلًا:   

  • وماذا تتمني أنت أيها الأعجمي؟

فقال الأعجمي بثقة وثبات:

  • دلني على سبيل أحسن به حياتي التي قدر لي أعيشها، فأكون معمرًا، وأرشدني أي طريق يدخلني الجنة حتى أسلكه؟

فتبسم الملك للسؤال الذكي، وقال مبتسمًا موجها حديثه للعربي والأعجمي:

  • إليكم باختبار من نجح فيه فله ما تمنى، فمن أراد الجنة حقًا فليقبل يد أحقر الناس في محيطنا هذا.

هرهر العربي مستهزئًا ومستسهلًا  الامتحان الرباني، فأخذ يهرول في كل الاتجاهات، فما ترك باب إلا وطرقه، وما وجد جالس إلا وأقبل عليه، فكلما رأى فقير أو مسكين قبل يده، وأخذ يسارع ليصارع الأعجمي، فما من فقير المبلس أو مسكين المنظر إلا وقد لمست يداه شفتيه، أما الأعجمي فقد تكوم على نفسه في إحدى زوايا الأزقة بلا حراك, بينما العربي يغدو  ويعود ويروح ويجئ، والأعجمي على حاله، حتى نادى الملك فيهم، فأقبلا متسارعين إليه في لهفة وترقب فلما اجتمع بهما, سألهما بجدية:

  • فليخبرني كل منكم عمن قابلهم من أحقر الناس؟

فقال العربي بتفاخر واستعلاء:

  • لقد قبلت يد فلان وفلان وفلان، فلم أجد من هو أدنئ منهم منزلة، أنظر إلى هيئتهم، ملبسهم، طعامهم، فهل هناك من أحقر منهم على هذه الأرض؟!

فقال الملك:

  • اصبر وسنرى فلا تتعجل يا عربي، أما أنت أيها الأعجمي فمن قبلت؟ 

فقال الأعجمي بانكسار  وذل: 

  • قبلت يدي فما وجدت أحقر من نفسي.

 


نشرت مجموعة عربي وأعجمي كمجموعة قصصية ورقية في مصر في 2020.