استيقظت قصة من نومها لبكاء رضيعها، أخذته بين أحضانها، لقمته صدرها ليتجرع من لبنها، فسكت صراخه، ولكن لم يسكت صخب عقلها وصراخ خيالها، ألقت برأسها للخلف وأراحتها على السرير، وأذنت لعينيها بالبوح عما في داخلها، انهمرت الدموع الساخنة على وجه الرضيع الذي ما زال في شهوره الأولى، دخل والده الذي يحمل من الشجون والخطوب ما أثقل همه، وأنحى كتفه وأعجز شبابه، اقترب من الرضيع فلثم جبينه، وقبل رأسها، جلس بجوارها ليشد من أذرها بعدما رآها وقد كسا وجهها الغم والكمد، وانهمرت منها الشلالات، فبادرته سائلة في انكسار:

  • أنا عاهرة؟!
  • لا تقولي هذا، فنحن متزوجان.
  • ولكن أي زواج هذا الذي يجعلنا نخاف، فنسجن أنفسنا في قصر لا نبرحه، ولا حتى نُعلم أحد بمطرحنا.
  • ألست من طلبتِ مني الزواج بكامل إرادتك؟
  • هذا صحيح، ولكن لماذا يحبسوننا هنا؟
  • أتنسين أننا طلبنا هذا! أعتقد أننا هنا أفضل بكثير مما كنا فيه، على الأقل هناك كنت ميتًا بلا محالة.
  • الحمد لله أنك أصبحت بخير يا حبيب الروح.
  • هذا بفضلك بعد الله، يا حبيبة القلب والعقل والروح، جعلني الله حبيب عقلك وقلبك أيضًا.

تجاهلت دعاءه وعتابه، فقالت:

  • ما فعلت إلا ما كان واجب عليَّ فعله.

احتضنها بين ذارعيه هي وطفلها، ثم تطلع للطفل قائلًا:

  • يشبه رواية كثيرًا.
  • فعلًا كلما تأملته وجدت رواية أمامي.

سكتت قليلًا ثم تابعت:

  • افتقدتها كثيرًا، أشتاق لها، أين هي وكيف حالها؟
  • ما فهمته من الرجال الذين تفاوضوا معنا ليخرجونا من السجن، أنها بخير وتعمل معهم ولا داعي للقلق عليها.