في باطن كنيسة السيدة العذراء، خرجت رواية من النفق الأثري والسري الممتد من بيت القاضي بقرية القصر حتى كنيسة السيدة مريم العذراء بدلجة، إحدى قرى المنيا حديثًا ومدخل الصعيد قديمًا، ثاني أكبر القرى المصرية وأشهرها على مدى التاريخ، اشتهرت في زمن المسيحية بشهدائها، وفي أوائل الإسلام بقادتها وأبطالها، وفي عصر العلم والفلسفة والترجمة بعلمائها، وفي أيام التجارة ورأس المال بتجارها، وفي الآونة الأخيرة حيث زمن الانقلابات والمجازر، اجتازت شهرتها البحار والمحيطات بأحداثها.

سلكت رواية النفق طبقًا للخطة الموضوعة من قبل القبة لحمايتها بعدما أدركوا مدى أهميتها، حيث إنها موضع استهداف لتصفيتها من قبل جهة ما، عندما خرجت رواية لصحن الكنيسة بصحبة مرشدها، قائد المطارح المنبثقة، وجدتها محترقة خراب، بالرغم ما لها من عراقة وأصالة ونشأة قديمة ترجع للقرون الأولى من ميلاد السيد المسيح عليه السلام، كان ينتظرها هي وقائد المنبثقة، طبقًا للخطة، الدكتور علاء لتوصيلهم للمقر الآمن المتفق عليه، فركبوا السيارة وساروا في طريقهم، وكعادتها الفضولية لن تترك رواية الفرصة لمعرفة سبب حرق الكنيسة الأثرية بهذا الشكل والوضع المخزي، فسألت علاء في استنكار شديد:

  • لمَ هي محترقة بهذه البشاعة؟
  • نحن في قرية دَلجة يا رواية، بفتح الدال لا بكسرها.
  • يا الله، أليست هذه القرية التي قتل فيها ذاك المسيحي بعشر طلقات، وما يربو على عشرين طعنة، كما هُجِّر الكثير من أقباطها ودمرت منازلهم وأحرقت كنائسهم بالتزامن مع فض اعتصام رابعة؟
  • نعم هي بعينها التي حدث فيها كل هذه الجرائم البشعة.
  • وهل صحيح أن الجهات الأمنية اقتحمتها بالدبابات والمظلات والطائرات والفرق الشرطية والعسكرية؟
  • داهمتها وهاجمتها بكل ما أوتيت من قوة، شردت المئات من عائلاتها، اعتقلت ما يقرب من ألفي شخص، خرج منهم من خرج، وبقي من بقي، ومات من مات.
  • حسنًا، فلا بد من العقاب، فالأقباط، على أي حال، في ذمة الله ولهم كل الحقوق في الأمن والأمان.
  • ما حدث في دلجة جريمة شنيعة مريعة مخجلة لهم ولنا وللمسلمين عامة، كما أنه إثم كبير نهى عنه الإسلام وجرمه وحرمه، ولكن ليس العقاب لجريمة شنيعة أن يتم الانتقام بجرائم أشنع وأكثر بشاعة وجرمًا، لم يقبض على أي ممن ارتكبوا الجرائم، سواء بالتحريض، أو بالفعل، وإنما تركوا أحرارًا، اعتقل الفقراء والصالحون الذين لم يرتكب معظمهم أي جريمة من أي نوع، عانوا من أقسى وأقصى أنواع العذاب الجسمي والنفسي، أما الفاعلون والمحرضون بالمال والكلام هجروا البلدة، يتنعمون الآن بالأموال والتجارات والعقارات وكل شهوات الدنيا، وهؤلاء الصالحون المظلومون عانوا من الجوع، والقهر، وحظر التجوال، والإقامة الجبرية في منازلهم لأكثر من عام على هذا المنوال، ظل هؤلاء الناس طوال لياليهم يترقبون الموت مرتعبين مرتجفين في انتظار اقتحام منازلهم، ضربهم، قتلهم، سحقهم في الشوارع، وهذا ما كان يحدث بالفعل، فما أقمرت ليلة إلا واقتحمت عشرات المنازل، ودمرت أثاثها، وسحل المئات في الأزقة والزنقات، إلا من رحم ربي من أصحاب الواسطات والعائلات البوليسية، فكل من لا واسطة له، دمر وأهلك وسحل وعذب ورأى ما لم يتحمله جسد ولا يتقبله عقل.
  • أرى أنك حزين على هذه القرية يا دكتور؟
  • حزني ليس مقتصرًا على هذه القرية أو تلك، وإنما ما وقع على المصري بشكل عام والدَلجي بشكل خاص من تنكيل وسحل وظلم علني بكل تبجح.

سكت برهة، اتضح فيها الانكسار والغم والحسرة، ثم أردف:

  • التقيت ذات مرة، منذ عشر سنوات على الأرجح، رجل من هذه القرية، معلمًا صالحًا طيبًا لا دخل له بالسياسة ولا صراعاتها، بالرغم من القوة والنفوذ الأمني والحركة السياسية التي تشغل هذه القرية برمتها، حكى لي هذا الرجل قصته وكيف بدأ من أقل القليل حتى أصبح رجلًا يضرب به المثل في النجاح، وأصبح صاحب أهم وأشهر المكتبات في هذه القرية التي لا يستطيع أي نجاح زائف أن يصمد فيها، فهي من أهم وأكبر مراكز التجارة في الصعيد، بل في مصر، فمن بين أهلها عشرات من رجال الأعمال الذين تتعدى ثرواتهم الملايين التي لا تعد، فدلجة تصدر الأغلال والحبوب لجميع البلاد العربية من أقصى المحيط لأقصى الخليج، فإذا آتى أثرياؤها الزكاء فقط، فلن يظل بها أو بغيرها من القرى المحيطة فقير قط.

أخذ ينظر علاء عن شماله محدقًا في المرآة وسرح كأنه يتذكر شيئًا، ثم استطرد:

  • تعمقت علاقتي بهذا الرجل، صرت أحدثه ويحدثني من حين لآخر، وعندما دخلت قوات الاقتحام البلدة كنت أطمئن عليه بين الفنية والأخرى، وفي الآونة الأخيرة كان يحدثني مرتعدًا خائفًا فلقد اقتحم باسمه مثل المئات غيره ظلمًا في كشوف المطلوبين التي أعدها بعض المرشدين، الذين جعلوا هذه القضية تصفية لاختلافاتهم الشخصية والعائلية، فصنعت دفاتر كاملة، وكشوف من عشرات الأوراق تضم بينها مئات الأفراد ممن ليسوا بعلاقة لا من قريب ولا من بعيد بهذه الأحداث الدموية، فمنهم الشيخ الكهل والطفل الرضيع والشاب العاجز، وأسماء كتبوها وأحداث راوها لا يقتنع بها كل ذي عقل، بينما أصحاب اللحى المزيفة، وأصحاب الأعمال الذين كانوا يطمعون في الحصص المحلية والذين أنفقوا عشرات ومئات الآلاف على هذه الجرائم، تركوا بلا أدنى عقاب أو أي مساءلة، اشتروا هروبهم ونفيهم خارج القرية بالمال والواسطات، فالعار كل العار على دولة تعتمد كل الاعتماد على مرشدين مرتشين، وواسطات فاسدة لا نهاية لها.

ذلك الرجل المسكين هاتفته إحدى المرات، وكان هاربًا في دار مهجورة وسط الحقول، اتخذها ملجأ له لتحميه من عيون المرشدين الشرطيين وتعصمه من بطشهم، وبينما هو يحدثني في الهاتف المحمول اقتحم خلوته أحد أقاربه بفزع وهلع ليبلغه بأنه جارٍ البحث عنه من قبل قوات الأمن، وداهمت الشرطة منزله للمرة الثالثة، فأفزعوا أولاده وزوجه التي سقطت مغشيًا عليها وفي يديها طفلها الأصغر، فارتعد وارتجف وأخذ الضيق والحنق الشديدين يجتاحا صدره، وشرع يصرخ بصوت مبحوح وأنا على الجانب الآخر من الهاتف:

“كفى ظلمًا يا الله، لم أعد أحتمل هؤلاء الجبابرة وهم يكسرونني ظلمًا وبهتانًا، اللهم عليك بهذه الدولة الظالم حكامها، اللهم أذقهم العذاب في الدنيا والآخرة، اكسر قلوبهم، حطم نفوسهم، نكث رؤوسهم، أزل ملكهم، أزل ملكهم، أزل ملكهم”.

اغرورقت عينا علاء بالدمع الحار قبل أن يردف:

  • وظل يدعو هكذا لمدة دقيقتين قبل أن تضطرب أنفاسه، ثم صمت، صمت للأبد.

غلبت الدموع عينيه حينما تذكر تلك اللحظة بكل تفاصيلها الموجعة، فهناك شخص برئ يموت على مسمع منه قهرًا وظلمًا، يا له من موقف عصيب عسير، ويا لها من لحظة مؤلمة تلك التي تموت فيها العدالة أمامك ولا تجرؤ على تغيير شيء، أو حتى مجرد التفوه بكلمة واحدة، أما رواية فشهقت لموته وقالت في تأثر بليغ:

  • الإحساس بالظلم والشعور بالقهر عذاب أليم يقتل الإنسان بالبطيء، فهو سم يجري في الوريد إلى أن يقضي عليه.

أما علاء فكفكف دمعه قائلًا بصوت أجش:

  • رحمك الله يا عاصم، كان مسالمًا حتى مع الظلم.
  • كم هم مساكين، جلساء الكنبة الصامتون، يرضون بالظلم والأذى والذل خشية شر الظالم، فيأبى الظالم صمتهم فيقتلهم حسرة وندامة.

أخذت رواية تتجول بعينيها من نافذة السيارة بين الشوارع والأزقة والمساجد والأسواق والبيوت، وتقلب بصرها في الوجوه، وتتعجب للمتناقضات التي تملأ القرية، من أبرزها مجاورة البيوت المتواضعة والمتهالكة والقديمة للقصور والبيوت الضخمة والحديثة، ثم سألت بحذر:

  • ولكن ما الذي يدفع بأناس صعايدة لهم أصول وسلالات وعائلات عريقة ومتنوعة من كل العروق والأجناس، كما أنهم تجار ناجحون، وأحفاد لفلاسفة وعلماء أزهريين علموا الآلاف في القرون السابقة جميع العلوم والفنون، ومنهم العشرات من أصحاب المناصب في أرقى وأهم أجهزة الدولة الأمنية، بأن يقدموا على مثل هذه الأفعال الخبيثة والجرائم النكراء؟
  • هذه القرية التي نسير فيها الآن وتتطلعين إلى أناسها من أكثر القرى الإسلامية حفظًا للقرآن، فالأغلبية من أطفالها يختتمون القرآن كاملًا حفظًا قبل أن يتموا عامهم الخامس عشر، وبها من المشايخ والعلماء والفقهاء الكثير، ولكنها مثلها مثل مئات القرى الصعيدية التي غلب الجهل عليها فأكسبها التعصب الديني اللاديني المحرم بنص القرآن الكريم والسنة النبوية، ولهذا لا تخلو فترة إلا ويصلنا أنباء عن أحداث طائفية في القرية الفلانية، أو القرية العلانية.
  • صحيح فالجهل هو المعضلة الحقيقية في مصر، كما أعتقد أن الجهل هو مشكل أدى إلى تعصب متبادل بين المسلمين والمسيحيين أيضًا.
  • غالبية المسلمين وغالبية المسيحيين في مصر يكرهون بعضهم البعض كرهًا حادًا، وإن تبسم الجميع في وجه الجميع، وأنا مسلم وأعرف كم يكره المسلمون المسيحيين، وأنت كنت على المسيحية وتعرفين كم يبغض المسيحيون المسلمين، ومن يلفظ بغير ذلك فهو مضلل كذاب، وإن تمكن أحد الفريقين، وخاصة في الصعيد، أن يبيد الآخر لفعل في الحال دون تردد أو أدنى تفكير، ولكن القانون وما سيحل من عقاب هما المانعان الوحيدان لخمول الفكرة مؤقتًا.

تنفس علاء بأريحية كبيرة، وكأنه فارس فاز لتوه في معركة خاضها بكل بسالة، ثم تابع يقول بكل جدية:

  • ولكن يا رواية أريد أن أنبهك لشيء هام للغاية، كره المسلمين للمسيحيين ليس لأن الإسلام أمر بذلك، وبغض المسيحيين للمسلمين ليس لأن المسيح عليه السلام أو المسيحية علمتهم ذلك، ولكن لأن هؤلاء طائفة وهؤلاء طائفة، والإنسان الجاهل من اليسير زراعة الحقارة فيه بسهولة، فيحب نفسه أولًا، ثم يفضل أخوته، ثم يحب قبيلته، ثم يفضل طائفته، وهو تطبيق للمثل الشهير “أنا وأخويا على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب”.

انظري في الإسلام، كم تبغض كل فرقة أصحاب الفرق الأخرى، ولو أطالت نحر الآخرين لفعلت بكل ترحاب، فكل منهم يرى أنه وحده الحق، وتأملي في المسيحية كيف كل فرقة تريد لو أن تقضي على الأخرى وتحاول جاهدًا تكفير البقية، وكم من حروب نشبت وكم من رجال قتلت بسبب الطائفية، فمثلًا في مصر، السنية عندما يتعلق الأمر بالشيعة يقولون إن اليهود والنصارى أحب إلينا من الشيعة فهم أقل كرهًا لنا، وكذلك البروتستانت والكاثوليك والأرثوذكس في المسيحية، ولهذا فمشكلتنا الحقيقية هي الطائفية، وهي ليست من صنع الدين بدليل تحارب أبناء الدين الواحد، وإنما هي من صنع السلطة باختلاف مسمياتها على مر العصور، نعم السلطة يا عزيزتي هي التي صنعت كل هذا التحارب وزرعت كل هذا الحقد والكره، بانتزاعها الإنسانية من داخل كل إنسان، فأصبح الإنسان اسمًا فقط خاويًا من الداخل، فلا ضمير ينبض ولا عقل يفكر، أصبح ابن ادم جسدًا بدم ونفس فقط، فكل الحكومات والسلطات الجبارة الفاسدة تعمل منذ الأزل على صنع فئات وإيجاد أقليات لاستخدامها كفزاعة يرعبون بها الأغلبية، وفي نفس الوقت يزرعون في الأغلبية الحقد والكره ليتولد السخط بداخلهم على كل من هو مخالف لهم في عرق أو دم أو دين، ثم يقوم هؤلاء الحكام الفسقة بصنع القوانين بزريعة حماية الأقليات وما يتبعها من جمعيات وشعارات رنانة كذابة، فهم المحرضون وهم الحامون وهم أولاد الكلب أيضًا.

  • اتفق معك بشدة يا دكتور علاء، فالمتسامحون دينيًا الحقيقيون ليسوا رجال الدين المسلمين أو المسيحيين الذين عرفوا الدين جيدًا ومن المفترض هم الأعلم بتعاليم الدين التي تدعو للتعايش والتسامح وتقبل الآخر، وإنما المتسامح الحقيقي هو أي إنسان ما زالت إنسانيته فيه فلم ينصب نفسه إله يحاسب ويعاقب كيفما ووقتما شاء، وإنما عمل بدينه وطبق منه في حياته ما يرضي ربه، وتعامل مع الآخر طبقًا لإنسانيته التي بداخله التي تتسع لتشمل كل العالمين وليس أهل ديانته فقط.
  • عدم اعترافنا بمشاكلنا الحقيقية، وإن كانت قاسية هو ما يأخرنا ويخلفنا عن ركب التقدم والتحضر، مهما كانت الحقيقة مرة لاذعة إلا أنها الجزء الأكبر من الحل، فحينما تحدث أي مشكلة طائفية يخرج علينا دعاة الإسلام ورجال المسيحية ويشيدا بمصر العظيمة المتسامحة التي تقبل كل الأديان، مع أن الحقيقة على نقيض ذلك، فلماذا لا يعترفون بفاعلية الجهل المتعمد من قبل السلطات؟! فما هم أيضًا إلا دمى في يد الحاكم يروضهم كيفما يشاء.
  • ولكنني راغبة في الاستفسار عن شيء آخر بعيدًا عن السياسة وأصحاب السلطة وما يستغلونه في الترويج لأفكارهم وكسب المناصب، فهناك في اليهودية كل من هو غير يهودي فهو كافر، وفي المسيحية كل من هو ليس مسيحيًا فهو كافر، وفي الإسلام كذلك، أليس هذا أحد أسباب التحارب والقتال؟
  • هذا الأمر موجود في كل ديانة، ولكن دليني على أي رب من أصحاب كل الديانات الموجودة يشترط أن يكون الكون كله من أقصاه لأقصاه يدين بدينه وحده؟
  • لا يوجد أي رب يطلب أو حتى يعترف بهذا، ولكن من المؤكد أن كل إله يريد لديانته أن تنتشر وتسود العالم، ولهذا كل إنسان يشعر بالرغبة في محاربة أعداء ربه.
  • إذا كان يريد أي إله حقيقي أن يدين العالم أجمع بدين واحد، لأوجد دينًا واحدًا وخلق البشر جميعًا على التدين به بالفطرة، وخلق جنة بلا نار، وأعدم إبليس، وأنهى وجوده من الحياة للأبد، أليس قادرًا على هذا وهو إله الكون بأسره؟! فيا بنيتي مهما كان الإله الحقيقي سواء رب اليهود أو رب النصارى أو رب المسلمين أو أي رب لأي ديانة فهو يريد التعدد والتنوع، ولهذا فالخالق الحقيقي ورب هذا الكون خلق شيئين أساسيين في الوجود، الشيء الأول هو العديد من الشرائع سواء كانت سماوية أو بشرية، وجعل كل دين مهمته في ربط مجموعة من الناس في إطار معين من القيم والأخلاق، فهناك اليهود ولهم قيمهم وهناك المسيحيون ولهم قيمهم، وهناك البوذيون وهكذا.

والشيء الثاني أنه خلق شيء واحد موحد، كرابط يجمع عليه كل الناس بالرغم من الاختلافات الفرعية من أجل إيجاد سبيل للمعاملات والتنوع والتعدد بينهم، ألا وهو الإنسانية، فوضع في جميع الخلق إنسانية حقيقية بما تحمله الكلمة من معني جميل طاهر، فمن سلمت إنسانيته وحافظ عليها فلم تنحرف عن مسارها القويم استطاع أن يتعامل مع كل الأشكال وكل الناس باختلاف اللغات والألوان والأجناس والأديان، ومن فقد بعض إنسانيته فلا يستطيع إلا أن يتعامل مع فئته المحدودة سواء تربطهم ديانة أو عرق أو نسب أو غيرهم من الروابط الفرعية، وأما من فقد إنسانيته كاملة فلا يستطيع التعامل إلا مع نفسه فقط.

استغرقهم الحديث الفكري فلم يشعروا بالوقت ولا بالمسافة التي قطعوها، وفجأة إذ بهم على مقربة من المقر الآمن، فالمنظر المحيط للمكان جعل رواية على غير عادتها من الفضول، فأخذت تطالع الحقل وتتأمل القصر، وقبل أن تشرع في أسئلتها المعتادة عن المكان عندما توقفت السيارة، حدث آخر ما توقعته، وقع شيء تمنت لو أتت لهذا المكان منذ مئات الأيام وآلاف الساعات، فإذ يفتح باب السيارة، على غرة، وهي مشغولة بمطالعة المكان ويأتيها صوت رقيق يخالطه الدموع ولكنه مألوف لديها وإن لم تكن سمعته واستمتعت به منذ أمد طويل:

  • اشتقت لك يا رواية، الحمد لله على سلامتك.

جسدها تسمر، عينيها شاخصتين، أذنيها لم تصدق ما سمعته، فأخذت الواقعة منها نصف دورة للدقيقة مرت طويلة، بالغة الطول، قبل أن تطل على مصدر الصوت في محاولة منها لتصديق أذنيها بأن الصوت هو بعينه ذاك الصوت المألوف، وأدارت نفسها ووجهها ببطء ناحية المصدر لترى بعينها حقيقة هذا الحلم الذي تعيشه، وما أن وقعت عينيها على قصة حتى انقضت عليها فرحًا وذهولًا حتى أبرحتها أرضًا، وسقطت فوقها وهي تقبلها تارة وتضربها تارة، لا تقوى على الكلام، فتخرج الحروف بين ثنياها متقطعة مذبذبة، وكأنها ابتلعت لسانها من أثر المفاجأة، بينما قالت عينيها كل ما عجز لسانها عن الحديث به، ظلت رواية تضرب قصة لعدة دقائق بيديها النحلتين، تبكي بحرارة شوقًا وغبطة، بينما تحتضنها قصة بين ذراعيها في محاولة دنوها من صدرها، وتتساقط منها دموع السرور، ضاحكة بفمها الصغير من أفعال رواية، وتقول لها بصوت فارح باكي:

  • لا تقلقي يا صغيرتي فأنا معك.

فصاحت رواية بها وهي تبكي بصوت مذبذب:

  • لماذا تخليت عني هكذا طوال هذا الوقت، أنا أكرهك، أكرهك يا قصة.

وأخذت تصيح، تصرخ، تبكي، تركلها بقدميها كالطفلة، بينما قصة تحتضنها كالأم، ثم ارتمت في حضنها لبرهة قصيرة شعرت خلالها بروحها تعود إليها ثانية، فحاولت أن تشبع وتتجرع من رائحة قصة كل ما افتقدته خلال الفترة التي قضتها خارج مصر، وهي كذلك اقترب إليها أنس وبين يديه الطفل الصغير فأحدقت عيناها به، وكأنها تستنكر أن يحدث لها مفاجأتين سارتين على غير توقع ودون انتظار في ذات اليوم وفي نفس الوقت، فبعد أن ملئ كل منهما روحه بنفس ورؤية الآخر، تطلعت رواية للطفل، واقتربت منه في توجس لتقبله، فبادرتها قائلة:

  • إنه أنيس.

وتابع أنس:

  • أنيس أنس.

فشهقت لسماع هذا قبل أن تقول قصة:

  • وإن كان ابني، ولكنه يشبهك كثيرًا.

ففهمت رواية، وإن ارتبك عليها الأمر، ولكنها أحست بسعادة وبهجة تغمر قلبها لمجرد تخيلها أن هناك رابطًا يجمع بين أغلى أحبابها، ورفيقي حياتها.

مكثت رواية في القصر لثلاث ليالٍ، قصوا على مسامعها كل ما حدث، وروا لها ما تعرضوا له خلال تلك الفترة، وإن كانت لم تستطع أن تحكي لهم كل ما تعرضت له وعرفته، تنفيذا لتعليمات الصاقر في آخر لقاء لهم، وبعد انتظار طويل، حانت اللحظة الحاسمة التي تنتظرها رواية لمعرفة ما تخفى عنها طوال الفترة الماضية، وعن وضع أنسيموس المجهول، في الليلة الثالثة لإقامتها بقصر العمدة، وصلت علا بصحبة الصاقر وقد التأمت جراحه كثيرًا، فاجتمعوا بها لتوضيح الأمور، لحظتها خفق قلبها، واضطرب عقلها مخافة ومهابة مما سيقال، ومما سيكشف عنه الحجاب، فبعد نظرات كل من الصاقر وعلا لبعضهم البعض، تطوعت علا للبدء:

  • روايتي، أولًا وقبل كل شيء، لابد أن تأخذي قولنا بجدية، فهو الحقيقة، ولا حاجة لنا للكذب عليك في شيء، فمن الآن فصاعدًا أنت تعملين معنا، كما كان يتعامل معنا أنسميوس.
  • وفيما وكيف كان يتعامل أنسيموس؟

فتبرع الصاقر للإجابة هذه المرة:

  • كنت أضع خطة منذ سنوات، تمكنا من اختراق الجماعات الإرهابية المسلحة في الشرق الأوسط، ولقد علمنا مؤخرًا بناشئة جماعة جديدة ما زالت في عملية التكوين الأولى، ولهذا جندنا أنسيموس، وكان هذا سهل علينا لوقوعه في فترة التجنيد، فصنعنا نحن العملية الانتحارية لنبرر اختفائه، وبالفعل استطعنا زرعه في قلب الجماعة وهي في طريقها لتكون أكبر قاعدة مسلحة في العالم بأسره، ونجح أنسيموس في اختراق صفوفها لمعرفته بالإلكترونيات وهو أهم ما يحتاجون إليه، ولكن …

ثم صمت وكأن الكلمات أبت أن تبوح لها بما يجري، فارتجف قلبها، فتجرأ قائد المطارح المنبثقة لأول مرة بالحديث لإيضاح الأمر:

  • ولكن للأسف تم كشف أمره ووقع تحت قبضتهم.

فقالت علا في عجالة لاستدراك الأمر:

  • ولهذا فإنقاذه، ومهمة عودته تقع على عاتقيك.
  • ومتى وكيف سأنقذه؟

تفاجؤوا من ردة فعلها المتماسكة والواثقة من نفسها، ولهجتها ونبرتها التي لا تخلو من كبرياء، فأغلب الظن أن ما يقولونه قد أدركه قلبها منذ أن وقع، فأجابها الصاقر:

  • ستعرفين كل شيء في وقته، لا تقلقي يا رواية، وثقي بنا، ستعود ثلاثتكم بسلامة إن شاء الله.

خرجوا من الغرفة لبهو القصر، وكان الجالسين يتناقشون في أحداث 18 مارس، وانتفاضة دلجة الحديثة، والتي تشغل بال الكثير من المصريين في الآونة الأخيرة، فتدخل الصاقر عاقدًا مقارنة باختصار وتبسيط شديد بين كليهما:

  • أحداث 18 مارس لعام 1918م وقعت في دير مواس والتي تبعد قليلًا عن دلجة، والتي تعد جزء أصيل منها، وكان قائدها الدكتور خليل وأخوته ضد الإنجليز ومعه مجموع الشعب مسلمين وأقباط، ولأول مرة اتحد الهلال مع الصليب، أما أحداث دلجة والتي وقعت بعد قرن من الزمان 14 أغسطس لعام 2013 كانت بقيادة بعض المشايخ وأصحاب الأعمال المستغلين، ومن خلفهم العديد من المتعصبين المتطرفين ضد الأقباط شركاء الوطن، هذه هي المفارقة العجيبة بين الحادثين، لقد وصل بنا الجهل والتخلف عبر قرن واحد لتحويل الكره والحقد من ضد الإنجليز المحتل إلى الأقباط شركاء الوطن.

فقالت قصة وقد نهضت من كرسيها حتى تداعب طفلها الباكي، وكان هذا أول حديث لها مع الصاقر، بجديتها وصراحتها المعهودة:

  • أتفق معك، بل أعتقد أننا جميعنا نتفق مع رأي سيادتك حول الجهل والتخلف الذي أدى بنا إلى هذه الحال، ولكن دعني أسألك، من المسئول الأول عن هذا التخلف؟ من الذي تعمد استشراء هذا الجهل بيننا حتى وصلنا لأخطر المراحل؟ فما بيننا وبين الحرب الأهلية بكثير، ألا توافقني الرأي في أن الحكومة والسلطات اتخذت من نفسها مغتصب ومحتل بصيغة وطنية؟ لم ينجح الإنجليز في تفرقة الشعب المصري على أساس ديني، واتحد المسلمون مع الأقباط في ثوراتهم ضد الإنجليز والفرنس وغيرهم من المغتصبين، أما الحكومات المصرية اتخذت من الكنيسة واجهة لتحمي بها نفسها أمام المجتمع الدولي، لتؤيدها علنًا في التفويضات والمسرحيات الانتخابية الهزلية، وهذا لا يبرر على الإطلاق جريمة الكنيسة في سكوتها وصمتها على المذابح التي ترتكب، والكنيسة تعلم جيدًا أنها ستكون أول كبش فداء ستتخذه الحكومة والسلطة في حال انقلاب الأمر عليهم، وماسبيرو ليست ببعيدة، أعذرني حضرة الصاقر، ولكن المسيح علمنا ألا نكذب أبدًا، وأن نكون دومًا وأبدًا شجعان ولو قُتلنا من أجل الرسالة والحق الذي يجب أن يتبع، وإن كنت لا أعلم هل نسيت الكنيسة وتناسى الأزهر تعاليم دياناتهم وكتبهم المقدسة في ضرورة اتباع الحق، أما المناصب والأموال أعمت الأبصار وأغفلت القلوب؟!

ظن الجميع بالغضب الذي سيجتاح الصاقر جراء هذه الكلمات الصادقة، فالكل يتهمه وكأنه المسؤول عن كل المصائب التي ترتكب في حق الوطن والعرب والمسلمين والعالم أجمع، ولكن لا أحد يعلم كيف تدار الدار، فانتصب من كرسيه قائلًا:

  • أتفهم موقفك يا عزيزتي قصة.

وهلم للصعود لأعلى حيث غرف النوم، فاستوقفته رواية:

  • لقد قلت سابقًا ونحن بالداخل ستعود ثلاثتكم سالمين للوطن، فمن ثالثنا غيري أنا وأنسيموس؟

فقال بثقة وحذر في نفس الوقت:

  • لا تقلقي يا رواية، ستعرفين كل شيء في أوانه، الآن عليك الخلود للنوم، فهناك الكثير غدًا في انتظارك، سيأتي لك رجل أزهري في الصباح الباكر ليطلعك على أهم المعلومات الخاصة بالمذاهب الإسلامية وفرقها المتعددة.
  • ولماذا سأتعلم المذاهب والفرق؟
  • الجماعة الجديدة التي تتكون الآن تسمى الحشاشون الجدد، ولها علاقة قديمة بالماضي البعيد، وتذهب على التشيع المتطرف.

ثم غادرها في طريقه لأعلى، وبعد أن صعد درجتين من السلم وقف وأدار ظهره فجأة، وقال:

  • أعلم أن فضولك سيقتلك من هنا للصباح لمعرفة كل التفاصيل عن هذه الفرق والمذاهب، ولهذا منعت من دخول الإنترنت والكتب لهذا القصر، فلا تنتظري صعودي لأعلى حتى تستفردي بالدكتور علاء لسؤاله، يجب عليك الراحة لأن غدًا سيكون يومًا فاصلًا في رحلتك القادمة، هيا يا عزيزتي.
  • سأصعد ولكن لدي سؤال واحد فقط، لماذا أخذتموني لماردين ومنها لزنجبار ولم تأخذوني لأي دولة عربية أو أوربية أخرى؟
  • ذهبنا بك لتركيا لأنها الدولة الوحيدة التي كان لها مبرر السفر إليها وهي تخصصك في اللغة والأدب التركي، وبعثناك لزنجبار لأنها هي الدولة الوحيدة التي كان يستطيع أنسيموس رؤيتك فيها قبل ذهابه للمهمة المكلف بها.

فضولها رغب في الاستفسار أكثر، ولكنها رأت في عيني الصاقر ما يحثها على الصمت والصبر لحين الأوان، فصعد لأعلى وصعدت خلفه، وأتبعها أنس وقصة بصحبة طفلهما.

انفض المجلس إلا من علاء وعلا، قام علاء من كرسيه، جلس بجانبها، قبل جبينها، لثم يديها، أخذ برفق رأسها على صدره، شرع في مسح كتفيها، ولم يفسد عليهما هذه اللحظة العاطفية سوى وصول أذانهم بكاء أنيس، فاجتاحت ذاكرتهما كل على انفراد، صورة ذاك الابن الشقي الذي لم يكن يكف عن الملمة والبكاء، ولكنه أين الآن وسوف يتركونه يبكي لآخر يوم في حياتهما، لن يتضايقا، أين هذا الطفل العنيد، البريء، الجميل؟! فقاتله لم يقضى على جسده فقط، بل قضى على الجمال والبراءة للطفولة وأنهى الإنسانية الطاهرة، أما الحكومة المتسيبة فقضت على إحساس الأمن والأمان للأبد، فمن الذي يتجرأ بعدئذ لينجب طفل يشقى ويسهر على مدار أعوام في تربيته ماديًا ومعنويًا، وما أسهل من موته كلمح البصر، فالطفل والشاب المصري يخرج من بيته على قدميه، ويعود في أقل من ساعة بداخل تابوت محمل على الأعناق، فياله من أحمق هذا الذي يجلب لنفسه الحزن الأبدي بإيجاد طفل لهذه الحياة داخل الحدود المصرية، ويا لها من تعيسة تلك التي تحب الأطفال وتتمنى تربيتهم، وإن كانت هذه سنة كونية حقيقية أوجدها الله داخل النساء، ولكن أحجب هذه الفرحة والأمنية عن المصريات كما في جميع أحوالهن، فصبرًا يا نساء مصر، عسى الله أن يهلك الظالمين جميعًا وإن كانوا كثر ولكنه الواحد القادر عليهم، فتنعموا بأولادكم، فلا يسجن ابن لكم أو يقتل أو يصاب ويعجز، وإن لم تخلُ أسرة مصرية على مدى الستين عامًا الماضية إلا وفيها إحدى المصائب الثلاث.

تساقطت دموعهما بلا إرادة وبللت الأوجه، حزنًا على ابنهما، قهرًا على دولة عاجزة عن حماية طفل يلهو بمشاهدة مباراة يحبها ويحب لاعبيها، أجرم هذا الطفل بعشقه لأبو تريكة، هذا المثالي الذي أفرح مصر على مدى أعوام كانت قيادتها تحاول جاهدة وبكل طغيانها تعكير صفوها وظلم أهلها؟ أهذا الطفل إرهابي أيضًا؟ فلعله اتصف بها في تلك الفترة الحقيرة التي جعلتنا كالدمى، نرمي بالشائعات والصفات على كل المخالفين في الفكر والرأي، فسبحان الله ففي مصر فقط الأطفال إرهابين، هذا شيء تميزنا به عن غيرنا، يا لنا من حمقى مجانين، دول تذهب بأطفالها للقمر، ودول تذهب للمريخ، ونحن نرسل أطفالنا للسجون والقبور، ماذا ارتكبوا هؤلاء السبعون شهيدًا حتى يقتلوا بهذه الطريقة البشعة في استاد لكرة القدم؟

فبأي ذنب قتل هؤلاء، وهؤلاء، وهؤلاء، وهؤلاء، ولن ننتهي من عد هؤلاء، وهؤلاء، فكل دم سقط في الأراضي المصرية سيظل عارًا علينا وعلى حكوماتنا، وكل المحاولات لنسي دم شهدائنا لن تنجح، فلن ننسى ولو بعد حين، فنحن أولياء دم، سيأتي اليوم الذي لا فرار فيه من القصاص، سيأتي، كفكف علاء دمعه وقال محاولًا تثبيت علا:

  • هو لا حزن عليه، قد يجعله الله شفيعًا لنا.

ثم سكت قليلًا، أخذ وجهها بيديه، مسح دموعها بكفيه، ثم قال:

  • ألا تتذكرين وائل حينما كان يصرخ دائمًا بنا لنشتري له أخًا صغيرًا يلعب معه، ما رأيك؟
  • رأيي في أي شيء؟
  • نصعد الآن لنشتري له أخًا.

فتبسمت قليلًا، وإن كان حزنها قد أرهق عينيها، فقام علاء، انتزعها من مقامها، أخذها بين يديه، صعد بها لأعلى، وهي تضحك وهو يضحك، وجرحهما الداخلي ما زال ينزف.

لا رواية استطاعت النوم ولا الصاقر، فالأرق قتلهما، فكل صنع قهوته، وتقابلا في الشرفة، يتزاحم في عقلهما العديد من الأسئلة والاستفسارات فالمستقبل أمامها مجهول، ولا أحد يعلم كيف سيصير غير الصاقر، وماضيها، بالنسبة له، مجهول أو هكذا يتظاهر، فحاول أن يمسك بزمام الأمر قبل أن تشرع رواية في أسئلتها التي بكل تأكيد تتزاحم بداخلها، فبادر بالقول:

  • بالرغم من كبر قصة عنك بهذه السنوات إلا أنكما صديقتان حميمتان للغاية، ولكن الأعجب هو بالرغم من اختلاف دياناتكم الآن، بل ومن قبل، فهي أستاذة جامعية وأنت طالبة؟!
  • أمها ذي قربة وثيقة لأمي، فوالدتها دائمًا ما كانت توصيها بأمي، وكانت توصي أمي عليها لأنها كانت مصابة بالسرطان، توفت حيث كانت قصة صغيرة، وبالرغم من الفرق الاجتماعي الكبير بيننا إلا أننا استطعنا أن نكون أصدقاء بل أكثر من أخوات، ولم أرى أمي تحب شخصا مثلي إلا أنسيموس وقصة، ولأنها ابنة رجل ذي سلطة ومال استطاع أن يعينها معيدة في الجامعة، أحببتني في قسم اللغات الشرقية وشجعتني لألتحق به، وأنا بالفعل لم أدخله سوى أنني سأكون برفقة قصة، وبالتالي سوف تساعدني في الدراسة بكل تأكيد.
  • وكيف تعرفتِ على أنس؟

كانت قصة تشعر بحبي للإسلام من تعاقب أسئلتي معها، ولم تقتنع بحجتي الكاذبة، الرغبة في المعرفة والثقافة فقط، ولهذا منذ أن اعترفت لها لم تعترضني، كانت تناقشني فقط وتبدي آراءها من غير عنف أو احتجاج، تؤمن قصة بالحرية الحقيقية للعقيدة، ولكن عندما صرحت لها بأنني عقدت عزيمتي للدخول في الإسلام انزعجت، ليس لأمري، وإنما خوفا علي من العواقب التي ستحل بي، فاقترحت أنها ستوصلني بشخص مسلم، ولكنه على خلق، متفتح، متفهم لدينه جيدًا، وليس متعصبًا، كأنه ملاك برفعة خلقه، وطيب لسانه، وحسن معاملاته التي تجبر الجميع على حبه، وهو زميل لها، معيد أيضًا، ومن المؤكد سوف يرشدني للصواب، وبالفعل تعرفت عليه، تحاكينا، تناقشنا، وهكذا أصبحت أنا وأنس أصدقاء.