في ضحى اليوم التالي وصل فضيلة الشيخ الأزهري قصر العمدة، وكانت رواية تنتظره على أحر من الجمر، بعد أن سلم على الحاضرين، استفرد بها في غرفة جانبية، ثم قال بعد أن استعاذ بالله وبسمل وصلى على سيدنا محمد صلَى الله عليه وسلم:

– أنا مكلف بشرح الفتنة الكبرى.

– أنا على علم كافٍ بالفتنة وما أنتجته من شيعة وخوارج، ولكن لا علم لي بمصير الشيعة؟

– كأي فرقة، انقسم الشيعة من حيث عدة عوامل، أولها الفرق التي ادعت بألوهية سيدنا علي، حيث قالوا إن سيدنا علي هو الله، حيث اتحدت الروح الإلهية به، أو انحلت بداخله، فعبدوا سيدنا علي، فبدأ يقتلهم ويحرقهم بالنيران، فيقولون لا يقتل بالنار إلا رب نار ولا يستطيع الحرق بالنار إلا رب النار، وكان زعيم هؤلاء عبد الله من سبأ، وقد نفاه سيدنا علي خارج المدينة، وتراجع عن قتله لما كان من حوله من حشود كانت ستثير فتنة كما حدث مع سيدنا عثمان بن عفان، وكانت هذه الفرقة تسمي السبئية وقد اندثرت الحمد لله في هذا الزمان، وانقرض اتباعها، فقد كانت معولًا كبيرًا من معاول هدم الإسلام، وإن كان تبعها فرقتان أخريان في ألوهية سيدنا علي وأبنائه وهم البيناية والمغيرية ولكنهما أيضًا انقرضتا مع الزمن.

أما عن باقي الفرق الشيعية لم يصل بهم الحد لألوهية علي وأبنائه، وإنما يتفقون على أن الإمامة كانت لعلي وأبنائه، ولكنهم اختلفوا في مسألة هل الإمامة لأبناء علي من فاطمة الزهراء فقط، أم كل نسل علي، فهناك من جعل الإمامة في ولد علي من غير فاطمة، وهم فرقة الكيسانية نسبة لكيسان مولى علي بن أبي طالب، وكان زعيمها المختار بن عبيد الثقفي وكان من الخوارج ثم تشيع، وكانوا يدعون لإمامة محمد بن الحنفية بعد علي والحسن والحسين، وهو ابن علي ولكن من امرأة من الأحناف، وكان محمد بن الحنفية رجلًا عابدًا تقيًا، ولما بلغه ما يقوله المختار الثقفي في ألوهيته هاجمه ولعنه.

أما الفرق التي تؤمن بإمامة علي وأولاده من فاطمة الزهراء فقط فهم الزيدية القديمة، والزيدية المتأخرة، والإمامية، وكل ما انبثق عنها من فرق أخرى.

  • اعذرني يا إمام، كل تلك الفرق التي تؤمن بإمامة علي وأولاده يقولون إنه معه نص من رسول الله بوجوب الإمامة له، هل هذا صحيح؟
  • هذا كذب وافتراء، لأن علي وفاطمة الزهراء لما يعترضا على خلافة أبي بكر وعمر، حتى أنهما زوجا ابنتهما أم كلثوم لعمر بن خطاب! كما أن الخلاف بين أبي بكر وفاطمة الزهراء أثناء خلافته كان خلافًا شخصيًا؛ طالبته الزهراء بنصيبها في إرث أبيها، فاعترض أبو بكر ذاكرًا لها حديث النبي، نحن معاشر الأنبياء لا نورث وإنما أموالنا صدقات، كما أن أبا بكر تزوج من أسماء بنت عويس أرملة الشهيد جعفر بن أبي طالب، ووافق سيدنا علي على هذا الزواج، حتى بعد موت أبي بكر رجع علي فتزوجها، فلم يحدث أدنى اعتراض من سيدنا علي على أبي بكر أو عمر وأفضل ما قيل في هذا الأمر هو قول ابن كثير: لو كان مع علي بن أبي طالب نص، فلمَ كان يحتج به على الصحابة لإثبات إمارته عليهم ولإمامته لهم، فإذا لم يقدر على تنفيذ ما معه من نص فهو عاجز، والعاجز لا يكون خليفة، وإن كان يقدر ولم يفعل فهو خائن والخائن لا يكون خليفة، وإن لم يعلم بوجود النص فهو جاهل والجاهل لا يكون خليفة، ونتيجة قول ابن كثير أنه لم يكن هناك نص كما يدعي الشيعة.

نعود للفرق، فالزيدية القديمة هي من أعدل الفرق الشيعية على الإطلاق وأقربها للسنة، وهي نسبة إلى الإمام زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي، وهو رجل تقي اشتهر بالصلاح والعبادة، وربى في أتباعه التقوى والصلاح وعدم التكفير، وترى أن الخلافة في علي ثم أولاده من فاطمة، كما أنهم يصححون ولاية أبي بكر وعمر ولم يكفروهما، فهم يرون بصحة ولاية المفضول مع وجود الفاضل، أي بالرغم من أنهم يرون أن سيدنا علي أفضل الصحابة إلا أنه لا يمنع من تولي أبي بكر وعمر، إن عدلا، ولوجوب الحاجة لذلك لأن سيدنا علي لم يكن يجف سيفه من دماء المشركين بعد، وقد كانت ولايته قد تسبب بعض الفتن لأن البعض بالرغم من إسلامهم فمازالت العصبية الجاهلية تعتريهم، اتصف الإمام زيد بصفات قلما توفرت في إنسان، فكان تقيًا نقيًا وفيًا مخلصًا محبًا للعلم والعلماء وصحابة رسول الله، ولهذا كان يرفض الظلم والعدوان الواقع عليه من والي العراق وقتئذ، في عهد الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك، ولما اشتكى، أوذي وأخرج من بلده، فخرج على مبايعة هشام بن عبد الملك، واجتمع حوله أربعين ألف رجلًا من الشيعة وحين بلغ هشام بن عبد الملك هذا، كتب لوالي العراق يستحثه لملاقاته وقتله، وأرسل له جيشًا جرارًا، وعند الواقعة ناقشه الشيعة الخارجون معه في رأيه في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فصرح برأيه بأنهما مضيا على السنة، وأنهما من أفاضل الصحابة، فانفض عنه معظمهم، لكن ذلك لم يهن من عزيمته، ولم تخر من شجاعته، فقاتل حتى استشهد رحمه الله.

أما الزيدية المتأخرة والحديثة فهم عادوا لتكفير أبي بكر وعمر ولم يسيروا على نهج أسلافهم السابقين.

أما مذهب الإمامية الشيعي فهو الذي يمثل التشيع الحاضر في عالمنا المعاصر، وهم كثر، أهمهم الباقرية الواقفة، والجعفرية الواقفة، والإسماعيلية، والإثني عشرية.

هذه الفرق تؤمن بأن الأمام هو أحد أركان الدين، لا يصلح الإيمان ولا يتم المسلم الشيعي إسلامه، إلا عندما يؤمن بالإمام، وبمبادئ الشيعة الأربعة، العصمة والرجعة والمهدية والتقية.

لكي تفهمين هذه الفرق لابد أن ندرس الخط الإمامي، الشائع في الأوساط الشيعية هم اثنا عشر إمامًا بالترتيب، علي بن أبي طالب، الحسن بن علي، الحسين بن علي، زين العابدين بن الحسين، محمد الباقر، جعفر الصادق بن محمد الباقر، موسى الكاظم بن جعفر الصادق، محمد التقي، علي النقي، الحسن العسكري الذكي، محمد بن الحسن العسكري.

من يؤمن بالاثني العشر إمامًا فهم الاثنا عشرية، والذين يؤمنون فقط حتى الإمام الخامس محمد الباقر فهم الباقرية الواقفة، أي توقف إيمانهم بالأئمة عند محمد الباقر، والذين يؤمنون بالجعفر الصادق الإمام السادس فهم الجعفرية الواقفة.

وكل فرقة توقفت عند إمام فهو يعد بالنسبة لها مهديها المنتظر، وتؤمن كل الإيمان بأنه معصوم ولا خطأ له، فكلامه أصل تشريعي يعتمدون عليه في فقههم، وأنه سيعود في آخر الزمان لكي ينتصر لهم ويملئ الدنيا عدلًا بعد أن امتلأت جورًا، ولهذا كانوا يطبقون في الآونة الأولى وما زالت مطبقة في البلدان السنية لليوم كمصر والسعودية مبدأ التقية، أي إخفاء الهوية الشيعية عن غير الشيعين حتى لا يتعرضوا للتنكيل بهم، حيث في نشأتهم الأولى تعرضوا لكثير من القتل والإبادة الجماعية.

  • ولكن الفرقة الإسماعيلية لمن انتسبت؟
  • الإمام السادس جعفر الصادق رحمه الله كان إمامًا تقيًا ورعًا حكيمًا عابدًا زاهدًا، كان له ست أولاد، أحدهم موسي الكاظم وهو الإمام السابع الذي يؤمن به الاثنا عشرية، وأحدهما كان يسمى إسماعيل وقد مات في حياة أبيه، وهذا الذي اختاروه وتوقفوا عنده وتسموا به، والإسماعيلية هم الحشاشون، وهم أيضًا المعروفين بالباطنية لأنهم يعتقدون بأن لكل ظاهر باطن، ولكل تنزيل تأويل، فمثلًا يعتقدون بأن الطهارة في القرآن ليس مقصودًا بها طهارة البدن، بل هي طهارة القلب من كل العقائد سوى عقيدة الباطنية، والذكاة هي نشر العلوم الباطنية، والحج هو طلب العلم من الإمام المعصوم، والجماع والنكاح هما نشر العلوم الباطنية، وهكذا يفسرون القرآن والإسلام، واشتهروا خلال التاريخ بأسماء كثيرة منها التعليمية أي التعليم من الإمام فقط لأنه المعصوم، والسبعية لأن إمامهم إسماعيل كان ترتيبه السابع.