مع الشروق تذهبن نساء أم الربيع للسوق الجبلي لجلب احتياجاتها من أدوات وخيوط, فالجميع هنا لا عمل له إلا السجاجيد أو صناعة الأكل المحلي للعابرين بالمقاهي البدوية على طول الوادي خلال فصل الربيع, فالمهنة المفضلة والمحببة والمشتهرة بها غالبية نساء أرياف المغرب هي النسيج, فاليوم بطوله يصنعون السجاد ولا شيء يتقنونه ويحبونه مثله, وبعض المناطق الأخرى تعمل نسائها بصناعة زيت الأركان المتفردة به المغرب في العالم بأسره, أما النساء الأكثر فقرًا فيعملن بجمع الحطب من الجبال مقابل مقياضتها ببعض من الطحين أو ببعض من الدراهم التي تدخر للشتاء القارس والمميت.  

منذ أن توافدت رُوح القلوب عليهن وجميع نساء عيون أم الربيع مع حلول الشمس تتوافد أفواج أفواج عليها لأخذ البركة اليومية لعل الرزق يكثر أو المرض يزول أو الخاتمة تحسن, كل بحاجتها, وحتى يتعلموا الحكمة اليومية لشيخها ابن عطاء الله السكندري, ولكن هذا اليوم كان على غير العادة, فلم تكن الروح الجليلة تصلي أو تسبح أو تقرأ قرآن كالمعتاد, ولكنها جالسة في مقامها المفضل فوق جذع الشجرة الصخرية الطالة على شلات عيون أم الربيع الخلابة التي لا يضايهها في جمال طبيعتها جمال, وإن كانت هذه الجغرافية مع روعتها وسحرها إلا أنها قاسية على أهلها في تضييق العيش حتى أنهم يتغنون بها في لغتهم الأمازيغية كأنه بئر جاف سقطت به جميع النساء, تلعب الروح مع الطفل مرحة مداعبة, مما ظهر على الأعين ما تخفيه الألسن, فخشت عليهم سوء الظن فانتصبت مخاطبة فيهن:-   

  • أيتها النسوة الصالحات لهذه الأراضي الصالحة, أيتها النساء الطيبات صواحب هذه الأرض الطيبة, منذ أن وطأت قدمي أرضكم لم تروا مني إلا كل حسن, من طلبت المشورة شورتها, ومن طلبت النصيحة نصحتها, ومن طلبت العلم ازادتها, ومن طلبت قرب الإمام أرشدتها للطريق, وهذا الطفل هو لأعزة لي من بلادي أم الدنيا طلبوا مني أن أراعيه لحين أن يشاء الله له ولهم, ويقول شيخنا عليه وله من كل الرضا؛

تشوفك إلى ما بطن فيك من العيوب خير من تشوفك إلى ما حجب عنك من الغيوب

 فاجعلوا دوما إنشغاكم بأنفسكم أكبر وأقوى من إنشغالكم بغيركم, وسيرن لأعمالكم على بركة من الله واجعلوا قول الشيخ نصب أعينكم؛

ما قل عمل برز من قلب زاهد ولا كثر عمل برز من قلب راغب”