في قديم الأزمان، وبعد إحدى الحروب الفاصلة والحاسمة في تاريخ البشرية، اختلف الملوك الأشقاء في تقسيم الغنائم، وكان أصغرهم أكثرهم جشعًا، ويكمن في قلبه الحقد والضغينة، في صباح باكر أمر قائد حرسه بإحضار كبير العرافين، فلما مثل أمامه، أمره بأن يرشده عن أفضل الوسائل التي تمكنه من السيطرة على الكرة الأرضية بأكملها، ببحورها ومحيطاتها وبرها وسمائها، لكي يتمكن من سحق جميع الأعداء وفي مقدمتهم أبناء أبيه وأمه.

 فقال العراف وهو راكعًا إجلالًا وتعظيمًا بين يديه:

  • لدي مرادك يا مولاي، فأنت لست بحاجة إلا لبيضة طازجة، ورجل لابد وأن يتصف بالكذب الدائم والخداع الواهم، وأن ثبت بالدليل القاطع قتله للأحياء من جميع الاجناس، وبهذا ستصبح الملك الأعظم في البلاد.

  فلما سمع الملك هذا أعجب به كثيرًا، فأشار بيده لقائد الحرس الذي سرعان ما فهم المراد فانصرف، ولم يعد للملك إلا بعد ثلاث ليالٍ وهو مطأطئ الرأس متأسفًا:

  • عذرا مولاي السلطان، لقد بحثت في كل مملكتنا عن ذاك الرجل الموصوف، ولكن وأسفاه لم نعثر عليه.

فقاطعه الملك غاضبًا:

  • وهل هناك خسائر ؟

فقال القائد بنبرة ثقة واعتزاز:

  • لقد قتلنا ما يربو على مائة ألف شخص حتى نستطيع أن ننتزع منهم اعتراف عن ذلك الرجل ذو الصفات المرجوة، ولكن بدون جدوى.

فاستشاط الملك غضبًا، فتدخل العراف سريعًا لامتصاص ثورته قائلًا:

  • أرى يا مولاي أنها فرصة سانحة قد أرسلتها السموات لكي تكسب قلوب الشعب وثقته التي ستدعمك وتساندك فيما بعد وللأبد في فرض نفوذك على باقي البلدان، فالحين يجب أن يعلن باسم جلالتك في جميع الأرجاء نصب المشانق بدعوة تحقيق العدالة الملكية تحت قيادتكم الرشيدة.

  فكر الملك بعض الشيء فيما يرمي له، ثم توجه لقائد الحرس وقد بدا على ملامحه بعض الارتياح:

    –   كم رجل من قواتك شارك معك في هذه الحملة؟

    –  ثلاثون ألف من خدامك يا مولاي.  

 انتفض السلطان من الكرسي الملكي، وصاح بنبرة متعجرفة ظافرة:

  • إذن فلتنصب المشانق، وتدق الطبول، باسم جلالتي، فمن الحين أنا الإله العادل منقذ الديار والعباد.

  في مبتدأ اليوم التالي، في الساحة العامة شهد الملك وبجواره العراف تنفيذ حكم الإعدام في قائد الحرس وثلاثين ألف من رجاله، خطب الملك بعدها في شعبه باسم الآلهة الحكيمة التي ملكته السموات والأرض، بعدئذ توجه الملك للعراف سائلًا:

  • إذن كيف سنعثر على هذا الرجل الذي كلفني مائة وثلاثين ألف من رعيتي؟

فأجاب العراف بلهجته الحنونة الواثقة:

  • إنني أعلم كيف وأين سنجد هذا الرجل يا سيدي السلطان، فما كان ينبغي علينا فعله هي البيضة الطازجة.

فصاح به الملك متعجبًا:

    –  ولماذا لم تخبرني بهذا الشيء قبل أن يقتل هؤلاء وهؤلاء؟

    –  جلالتك لم تأخذ رأيي في هذا الشأن. 

    –  وما هي مشورتك الآن أيها الشؤم؟

    –  الآن علينا بالبيضة الطازجة.

  فأمر الملك الخدم والحشم بصنع ألف بيضة في آن واحد، وأن تقدم للعراف طازجة في حينها، فتقدمت الأواني أمام العراف التي أزاحها بيده سريعًا، وذهب للملك مصطنًعا الغضب فقال:

  • إنني قصدت بالبيضة الطازجة أي تكون بين يداي حينما تخرج من المؤخرة مباشرة.

  فنادي المنادي في الشعب بإحضار جميع دجاجهم، فأتى كل بدجاجه، فتجمعت الفراخ بجميع سلالتها وألوانها في إحدى ساحات القصر، حيث يتمكن العراف من مراده، فلما أخبر العراف قال:

  • لم أقل أنها بيضة دجاجة وإنما قصدت بيضة حمامة.

  فاشتعل الملك غضبًا، وثار بركانه، فأشعل النيران في جميع الدجاج المتواجد، ثم أمر بإحضار جميع الحمام.

  فأتوا به

  وبعد ساعات قليلة استقبل العراف البيضة الطازجة من مؤخرة الحمامة بين يديه. 

 فتنفث الملك الصعداء وسأله فرحًا مسرورًا:

  • الان أخبرني عن ذاك الرجل حتى أحضره.

فتعجب العراف: 

   – أي رجل هذا؟

   – هذا الرجل الكذاب المنافق المخادع الذي حدثتني عنه من قبل.

فهزء العراف بنبرة ساخرة متهكمة:

  • هذا الرجل هو أنا، فهل يا مولاي ستجد من هو أكذب مني؟ أو من هو مخادع عني؟، أو من هو خائن وقاتل مثلي؟

فاستهل الملك سيفًا سريعًا من أحد الجنود وكاد أن يغرسه في قلبه إلا أن قال العراف متحديًا غضب الملك:

توقف أيها الجبار، ليس هذا بذنبي، فالغش والكذب هو عملي الذي استرزق منه، أما الخطأ فخطئك أنت وأمثالك من الحكام الطاغية الذين يتوكلون كل التوكل على الحاشية الفاسدة. 

____________

نشرت قصة البيضة الطازجة ضمن المجموعة القصصية عربي وأعجمي ورقيًا في مصر في 2020، وهنا القصة كما نشرت دون أي تعديل أو تصحيح.