استمع إبليس باهتمام بليغ لإحدى الخطب المنبعثة من المسجد الكبير, فتأثر كثيرًا لوصف الخطيب لهول جنهم ما أفزعه ومكن الخوف منه, فقرر التوبة, نعم إبليس قرر التوبة النصوحة, لا أرمز لشخص, ولكن أقصد حقًا إبليس أبو الشياطين جميعًا, فأقر  واعترف بكامل إرادته أنه سلك طريق الخطأ, ويجب عليه الإقلاع عن كل ما ارتكبه من ذنوب واقترفه من آثام, وتوبته تشترط أن يصلح حال البشرية التي فسدت على يديه وأيدي أتباعه, ولا تقبل التوبة إلا بموتهم واختفائهم من الحياة الدنيا, كما أن توبة إبليس لوحده ليست كافية فيجب أن يتوب معه جميع الشياطين, فعزم إبليس وشد الرحال, فاجتمع بشياطين كل بلد على حدة, ودعاهم لله الواحد القهار, وأخذ يحثهم على الندم والتوبة العاجلة قبل فوات الآوان, فتاب الجميع وأقروا بخطئهم وتوعدوا على التوبة النصوحة للأبد.

 ولكن يأمل الجميع قبل الممات والاختفاء أن يلقوا نظرة أخيرة على بلد أحبوها كل الحب, فكم عملوا بها وكم أنجزوا فيها, فكانت صاحبة الفضل عليهم دائما في الترقيات والجوائز والنياشين, ولكن وأسفاه لم يعد لهم من مجال فيها, فلقد تولى فسادها وانحرافها آخرين, قادة، أكفاء، مهرة, خبراء متمرسون, يتمتعون بالمهنية والحرفية في مجال تخصصهم, وهذا ما كان في نفس إبليس أيضًا, فكم يشتاق لفسادستان التي توقف عمله بها وقطع رزقه منها فطرد خارجها بعد أن كان يسكن القصور الفخمة ويعيش الحياة المترفة هو وباقي جنسه, فإخوانهم في العمل أخرجوهم منها منذ زمن, فهكذا لا يقبل أصحاب المهنة الواحدة العمل معًا, فبعد منافسة قوية بين إبليس وشياطينه وبين حكومة فسادستان وزبانيتها, أثبتت الحكومة تفوقها بجدارة على إبليس في الكذب والفساد والنفاق وضلال الفسادساتنين, فخرج إبليس وشياطينه يجرون خلفهم هزيمتهم الساحقة أمام الحكومة الفسادستانية.

انعقد مجلس الشياطين العسكري برئاسة القائد العام إبليس حفظه الله, وقرر المجلس الجهاد نحو فسادستان بكل شياطين العالم التي آمنت تحت قيادة أبيهم إبليس التائب من أجل دعوة الإخوة شياطين فسادستان من الإنس للتوبة الصادقة والرجوع للإنسانية والعدول عن الإبليسية, انطلقوا نحوها مجاهدين لإحياء الإنسانية وعودة الكرامة والعدالة والحرية, فاستقبلت السلطة الفسادستانية إخوانها السابقين بكل حب وترحاب, وبمجرد الوصول, انفرد إبليس زعيم الشياطين برئيس السلطة الفسادستانية زعيم شياطين الإنس, بينما انفردت كل مجموعة من الشياطين بأحد إخوانهم السلطويين يذكره بالتوبة والطاعة والجنة والنار.

 وبعد ساعات وأيام وشهور من المناقشات والحوارات الجادة انعقد المجلس الإبليسي العسكري وأخذ يتداول أراء ونصائح وتوصيات الحكومة الفسادستانية, وفي الختام أقر البيان التالي الذي أعلنه على جمهور الشياطين إبليس الأب بنفسه قال فيه:

  • أيها الشياطين الأعزاء من كل البقاع والأصقاع, حينما قصدنا فسادستان ما أردنا إلا الخير, فجئنا فرحين مجاهدين لنوصل رسالتنا البينة التي حملناها على عاتقنا, ألا وهي التوبة النصوحة لشياطينها من الإنس, فتجالسنا وتحاورنا وتناقشنا, ولقد بين ووضح لنا إخواننا في الحكومة الفسادستانية مشكورون خطئنا الفادح في فهمنا للتوبة, فلهم من الاحتيال والذكاء ما لا يمتلكه إنس أو جن آخر في أي ناحية بالعالم, فبعد فهمنا الصحيح للحياة على الطريقة الفسادستانية, أعلن بصفتي أميركم وكبيركم أننا نحن أمة الشياطين قد تنازلنا بكامل حريتنا عن ما يسمى بالتوبة وأمثالها من الشعارات, ومن هذه اللحظة نحن حراس السلطة الفسادستانية, وعبيد في خدمتها, وسوف نعمل ساعين جاهدين لمساعدتها في نشر نفوذها, فهي صاحبة أراء حكيمة وصائبة, فمن الآن لن نعمل سوى تحت رايتها الشائخة والشامخة

  فلتعيش شياطين فسادستان ……

 فلتعيش سلطات عربستان ………

فلتعيش حكومات مصرستان …….

__________________

نشرت قصة قصة توبة لم تكتمل ضمن المجموعة القصصية عربي وأعجمي ورقيًا في مصر في 2020، وهنا القصة كما نشرت دون أي تعديل أو تصحيح.