أنا شاب وسيم قليلًا كحظي, وإن كان الأخير أقل بكثير, كأي شاب جامعي أحببت فتاة, ولكن ليس ككل الشباب تزوجتها, فيا للعجب العجاب لفتى أعماه العشق!, كافحت وكافحت ثم كافحت حتى تزوجنا في عش صغير, وبدأنا حياتنا الزوجية بكل حب وهيام, مر اليوم والثاني ثم العام والثاني وبعد خمس سنوات كانت ثمرة زواجنا بنت وولد, في هذه الأثناء توفرت لي فرصة عمل جيدة للغاية في خارج البلاد, لا أستطيع رفضها, فأنا بالفعل أعيش حياة كريمة وإن كان ينقصها الكثير, ولكن لدي حلم أرغب في تحقيقه ولقد توفرت الفرصة, فلمَ أرفضها؟!, فهجرت وطني وبلدي وأسرتي ومحبوبتي, وذهبت للغربة بكامل حريتي, ويا ليتني لم أذهب, فمرارة الغربة كفيلة بأن تذهب بأي حلم كان إلى الجحيم, ولكن كافحت وصبرت وتحملت المشاق التي لم تخطر ببالي يوم ما, قضيت خمسة أعوام كاملة حصلت فيها ما كنت أحلم به من المال, عدت لبيتي ولزوجتي وأولادي, ومن ثم شرعت في حلمي الذي دوما ما راودني, وهو تشييد عقار كناطحة السحاب يتكون من خمسين دور على الأقل, أخذ مني تشيده ثلاثة أعوام أخرى وأنا منهمك في بناءه وإتمامه كما يروق لي.

 لقد تم الإنشاء فالحمد لله …

 ما هي إلا أيام معدودات حتى فوجئت بزوجتي الحبيبة وهي تطلب الطلاق, فحاولت جاهدًا أن أعرف السبب أو أعثر على أي حجة ولكن هيهات هيهات, فحضر الأهل وصديقي المقرب وتم الطلاق, وكلي أمل في أنها محنة عابرة وستعود المياه لمجاريها, فتركت لها الشقة وانتقلت أنا لبرجي الجديد, ومر الشهر والاثنين حتى اكتملت السنة, فعزمت في نفسي أمرًا, فعرضت عليها أن تعيش في برجي الجديد حيث أسكن, لأتمكن من رؤية الأولاد, وكان في نفسي أن بقدومها البرج سيكون من الميسر استردادها واستراد بيتنا وعائلتنا, فقبلت بهذا العرض, فحمدت الله واعتبرته بصيص أمل, فتطوعت أنا وصديقي بكامل حريتنا حتي ننقل أثاث شقتها القديمة إلى الشقة المجاورة لي, فصديقي هذا هو أنا, وأنا هو, على مدار فترة غيابي بالخارج وانشغالي, كان هو المتواجد دائما مع أسرتي, والذي يقضي لها جميع الاحتياجات, وكانت تلجأ له في كل الأمور, كل الأمور.

من حين لحين كنت أذهب لشقتها لأجالس أطفالي, وذات عصر كانت جالسة معنا, فاستأذنت لتبديل ملابسها, فدخلت غرفتها وخرجت مرتدية فستان أحمر فرنسي من الطراز الرائع, فكم أعجبني هذا الفستان القصير المغري, فسألتني عن رأيي فيه فجاوبتها بصفير عالي وكلي إعجاب بها وبفستانها, فشكرتني قائلة:

  • بعد ساعات معدودة سيكون أجمل.

 لم أفهم شيء حينها, طلبت مني ملازمة الأطفال ورعايتهم لأنها ذاهبة لقضاء حاجة ما ولن تتأخر عن ساعة واحدة, مرت الساعة وأنا سعيد بملاعبة أطفالي, وإن كان جزء كبير من تفكيري مشغول بأمههم وفستانها العاري, دق الجرس, فإذا بشرطي يطلب مني الحضور لقسم الشرطة, وكانت جميع استفساراتي يقابلها بجملته المعتادة “هناك ستفهم كل شيء”, ولكن كيف أترك أطفالي هكذا, في هذه الأثناء خرج صديقي من الشقة المجاورة التي كنت أهديته إياها اعترافًا مني بالجميل وجزاء لخدماته لي ولأسرتي طوال فترة غيابي, وكعادته تقدم لحسم الأمر قائلا:

  • اذهب أنت وأنا سأبقى مع الأطفال.

 فشكرته كل الشكر, فهكذا كان دائما يحضر بيننا في الأوقات المناسبة, فذهبت إلى قسم الشرطة وأول ما خيلت به ذاك الرداء الأحمر, فذهلت, ولكن لا بد أن هناك أمر ما, فإذ بأمين الشرطة يبلغني بأن السيدة الوقور جاءت لتحرير محضر عدم التعرض لها, لأنها مطلقتي وهذا من حقها القانوني, أكملت الإجراءات, وذهبت, ولكن ما كان يشغل عقلي هو لماذا تعاملني هكذا؟, وكيف أتت بكل هذا الجبروت حتى تخطط لهذا الأمر, قادتني قدامي لمسكني, ما أن وصلت باب شقتي, إذ بباب شقتها يفتح على مصرعيه, وإذا بصديقي يخرج منه ويصيح بي:

  • ما أبطأك كل هذا؟, هيا أقدم.

ثم شدني من ذراعي فدخلت معه, فوجدت صاحب العمة, وهي جالسة بجواره, فبادر صديقي:

  • ما رأيك في هذه المفاجأة؟

 ففهمت سريعا في قرارة نفسي أن هذه المفاجئة لي, فلقد ذهبت بي للشرطة كي تراوغني, فيالها من مزحة غريبة ولكنها رائعة, فكم هي جميلة طيبة حنونة وتحبني كثيرًا, فطلب المأذون بطاقتي فأعطيته إياها, ولكن ما حدث غير هذا الذي رسمته في مخيلتي, فإذا بصديقي يجلس إلى الجانب الآخر من المأذون الذي قام بدوره ببسط المنديل على أيديهم المتشابكة, فلقد قررا أن يعقدوا زواجهما, ولكن مهارها كان نفيس للغاية, كان إذلالي. 

 فحسرتاه على فتى أعماه العشق!, وأسفاه على عشق أعمى العقل والبصيرة!    

______________

نشرت قصة ذات الرداء الأحمر ضمن المجموعة القصصية عربي وأعجمي ورقيًا في مصر في 2020، وهنا القصة كما نشرت دون أي تعديل أو تصحيح.