بدا على السيد توتره الشديد في الآونة الأخيرة, فألغى الزيارات الخارجية, والمقابلات الداخلية أجلت لأجل غير مسمى, وندرت خطبه المسلية, وطبيب يذهب للقصر والآخر يخرج, فالمشهد مرتبك ولكن كل في سرية تامة.

 في ليلة مقمرة بينما يجلس في حديقة القصر ومعه سكرتيره الشخصي يعرض عليه بعض التقارير, سأله:

  • هل حقا أنني ضعيف؟

فأرتجف السكرتير وقال متلعثمًا:

   –  لا يا سيدي, فأنت القوي الأقوى, القادر المقتدر ولا  قادر إلا أنت, فأنت الحامي وأنت القاهر وأنت المتكبر المتعال وأنت الجبار العلي ولا يعلو عليك, وأنت المستبد الأول والأخير ولا مستبد إلا أنت, لقد استطعت بدهائك القدير وخبثك العظيم ومكرك اللئيم وخدعك الرصين أن تسجن كل المثقفين المخالفين, وكل الشباب المعارضين, وأن تقرب إليك الراقصات الفاتنات وتجذب إليك العواهر والعهار, وهذا ما لم يستطع مباركخان فعله على مدار عشرات السنوات, إنه إنجاز عظيم يا سيدي سوف يسجله التاريخ.

    –  كل هذا أعلمه أيها الحمار وأتشرف به, ولكن سؤالي يرمى  لشيء آخر.

     –  ماذا تقصد إذن يا سيدي؟

     –  إني احذرك فلو فشيت هذا السر, لن أرحمك. 

     –  قلقتني يا سيدي الرئيس ماذا بك أخبرني بأمرك فقلبي يتفطر بشأنك؟

     –  كما تعلم يا حماري العزيز أنني أسد هذه الأمة, فتراني في الصباح كأسد, أقف كالأسد, أمشي كالأسد, أتكلم كالأسد.

فقال السكرتير متعجبًا في نفسه:

  • أتتكلم كالأسد, أم كمرات الأسد!

فصاح به السيد الأعظم:

  • أين تسرح, انتبه معي.

فارتبك السكرتير وأجاب متلعثمًا: 

  • معك يا سيدي الرئيس, أكمل فخامتك.

فتشجع السيد الأعظم على القول وتحدث بصوت خافض وبلهجة مهموسة:

    –   حينما يأتي الليل, لا أستطيع على فعل ولا قول, أنت من المؤكد تتفهم ما أرمي إليه؟

    –  نعم, تفهمت يا سيدي, ولكن اسمح لي أن استفسر أكثر, كأنك أكلت بزيت خروع, أليس كذلك؟ 

    –  بالفعل أكون هكذا, وجميع الأدوية وجميع الأطباء فشلوا في معالجتي, فما الحل؟

    –  أنا أعرف الحل يا سيدي, فهناك رجل يدعى بالعم رجولة سوف نجد عنده المختصر المفيد والحل الأكيد.  

    –  ماذا تنتظر أتي به في الحال.

  غاب السكرتير ساعة ثم عاد ناكث الرأس خائب الرجاء ووقف أما سيده بأسف ليقول:

  • لقد رفض المجيء يا سيدي.

ظهرت على وجهه علامات الغضب وقال في تعجب: 

  • هل جننت؟ أهناك من يرفض أن يأتيني؟

فقال مرتجفًا:

  • لقد قال يا سيدي أن العم رجولة لا يدخل مكان تنقصه الرجولة.

 فاستشاط السيد غضبًا وأخذ يطلق في الشتائم هنا وهناك, وأمطره بوابل من القذف والإهانة والتهديد والوعيد, وبعد برهة من الصمت والهدوء أعاد فيها التفكير بعقلانية, قال وقد بدا عليه الارتياح قليلًا:   

   –  وما الحل إذن؟

   – يؤسفني يا سيدي أن أخبرك بأنه لا مجال إلا أن نأتيه حيث يقيم.

أحس بشيء يجرح كبريائه فاشتعل غضبه ثانية وصاح:

   – هل طار لبك, أم تريد قطع رقبتك بيدي؟, هل تدهورت الأحوال وبلغ الأمر إلى أن أذهب أنا القائد المعظم والحاكم المبجل لعبد حقير, هذا من المستحيلات, من أقصى المستحيلات.

–  يا سيدي هذا ظرف طارئ, لتحسين وضع سيادتكم أمام سيدتنا الأولى, الوضع خطير حقًا, فالمرأة تنظر لأمثال هؤلاء الرجال نظرة متدنية دنيئة منحطة وضيعة أعتقد أن سيادتك أرفع وأعلى شأنا من أن تتقبلها.  

فكر السيد قليلًا, وبدا مقتنعًا بحديث سكرتيره وكأنه في حاجة لتشجيع ما ثم قال:

   –  لابد وأن تعلم شئيا مهمًا, فأنا لن أذهب لهذا الرجل إلا من أجل مصر أم الدنيا والتي ستكون قد الدنيا, فلعله هذا الوضيع يمكنني من إنجاب الوريث … ولي العهد الذي سيرث الحكم من بعدي.

   –  صدقت يا سيدي فنعم القول قولك يا مولاي العظيم, وحفظ الله ولي العهد من قبل أن يأتي. 

 على مدار يوم كامل, سجل السيد خطبة طويلة كالمعتاد لينشغل بها الناس أثناء مسيرته للعم رجولة, أذيعت في الليلة التالية, فتلهى الشعب بها كالعادة, ففيها من التمثيل والدراما ما يغني عن مشاهدة عشرات الأفلام.

 وذهب السيد العظيم للعم الوضيع, وعندما مثل أمامه تعجب من هذا الرجل الذي لم يقف ليركع أمامه أو يقبل يديه كما تفعل جميع حاشيته بمجرد أن تصل رؤيته لأعينهم أو تتلقى أذانهم بعض من نبرات صوته, فنظر بغضب لسكرتيره, فدني الأخير بدوره من أذنيه قائلًا: 

  • لا تبالي يا سيدي العظيم بأفعال عابرة مثل هذه لأحد رعيتك, فلعلك تدرك سيادتك بأننا في حاجة ماسة إليه.

 فاقتنع أو حاول أن يقنع نفسه, وجلس بأريحية على الكرسي المتنقل الذي أعد له خصيصًا, وركن قدمه اليسرى على اليمنى حيث يحاذي حذائه المقدس وجه العم رجولة, الذي بادر قائلًا دون أن ينظر إليه:

  • من أي شيء تعاني؟

فقال بشيء من الخجل وبحروف مهزوزة مخمورة: 

  • مشكلتي في إثبات رجولتي في الفراش.

فبحلق العم فيه طويلًا مُركزًا على عينيه المرتجفة ثم قال:

  • يا بني الرجولة الجنسية مرتبطة بالرجولة الإنسانية.

   فارتجف السيد وأنزل قدمه, ثم دنى برأسه سريعًا من العم وقال باستنكار:

    –  ماذا تعني يا أنت؟

    – أعني إذا حققت الرجولة الإنسانية أصبحت رجولتك الجنسية صحيحة سليمة, ولن تكن رجل إنسانيًا إلا بنصرة المظلوم لا الظالم, بمحاسبة القاهر لا المقهور, بتحقيق العدالة بين الكافة, بضمان الكرامة للجميع غني كان أم فقير, بالإفراج عن الشباب المعتقلين, فهل أنت قادر على أن تكون رجلًا ولو لمرة واحدة؟

______________

نشرت قصة زيت الخروع ضمن المجموعة القصصية عربي وأعجمي ورقيًا في مصر في 2020، وهنا القصة كما نشرت دون أي تعديل أو تصحيح.